Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 128-128)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الهداية : الدلالة والبيان ، وتهديه أي : تدلّه على طريق الخير . والاستفهام في { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ … } [ طه : 128 ] والاستفهام يَرِد مرة لتعلم ما تجهل ، أو يرد للتقرير بما فعلتَ . فالمراد : أفلم ينظروا إلى الأمم السابقة وما نزل بهم لما كَذَّبوا رسُل الله ؟ كما قال في آية أخرى : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } [ الصافات : 137 ] . وقال سبحانه : { وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ * وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 1 - 10 ] . أَلاَ تروْنَ كل هذه الآيات في المكذبين ؟ ألاَ ترون أن الله ناصرُ رسُلَه ؟ ولم يكُنْ سبحانه ليبعثهم ، ثم يتخلى عنهم ، ويُسلِمهم ، كما قال سبحانه : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] وقال : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ … } [ الحج : 40 ] . وبعد هذا كله يُعرِض المكذبون ، وكأنهم لم يروا شيئاً من هذه الآيات . وساعة ترى كَمْ فاعلم أنها للشيء الكثير الذي يفوق الحصر ، كما تقول لصاحبك : كم أعطيتُك ، وكم ساعدتُك . أي : مرات كثيرة ، فكأنك وكلته ليجيب هو بنفسه ، ولا تستفهم منه إلا إذا كان الجواب في صالحك قطعاً . فمعنى { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ … } [ طه : 128 ] يعني : يُبيّن لهم ويدلُّهم على القرى الكثيرة التي كذَّبت رسلها ، وماذا حدث لها وحاق بها من العذاب ، وكان عليهم أنْ يتنبهوا ويأخذوا منهم عِبرة ولا ينصرفوا عنها . وقوله تعالى : { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ … } [ طه : 128 ] كقوله : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } [ الصافات : 137 ] فليس تاريخاً يُحكَى إنما واقع ماثل تروْنَه بأعينكم ، وتسيرون بين أطلاله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } [ طه : 128 ] أي : عجائب لمَنْ له عقل يفكر . وكلمة النُّهَى جمع نُهية ، وهي العقل ، وهذه الكلمة تحلُّ لنا إشكالات كثيرة في الكفر ، فالبعض يظن أن الله تعالى خلق لنا العقل لنرتع به في مجالات الفكر كما نشاء ، وننفلت من كل القيود . إنما العقل من العقال الذي يُعقَل به البعير حتى لا ينفلتَ منك ، وكذلك عقلُك يعقِلك ، ويُنظِّم حركتك حتى لا تسير في الكون على هَواك ، عقلك لتعقل به الأمور فتقول : هذا صواب ، وهذا خطأ . قبل أن تُقدِم عليه . فالسارق لو عقل ما يفعل ما أقدمَ على سرقة الناس ، وما رأيك لو أبحنا للناس جميعاً أنْ يسرقوك ، وأنت فرد ، وهم جماعة ؟ الحق ساعةَ يعقل بصرك أنْ يمتدَّ لما حرم عليك فلا تقُلْ : ضيق عليَّ ، لأنه أمر الآخرين أنْ يغضُّوا أبصارهم عن محارمك ، والغير أكثر منك ، إذن : فأنت المستفيد . فإنْ أردتَ أن تُعربد في أعراض الناس ، فأَبِح لهم أن يُعربِدوا في أعراضك . " والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه شاب يشكو عدم صبره على غريزة الجنس ، يريد أن يبيح له الزنا والعياذ بالله ، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يُلقِّنه درساً يصرفه عن هذه الجريمة ، فماذا قال له ؟ قال : " يا أخا العرب ، أتحب هذا لأمك ؟ أتحب هذا لأختك ؟ أتحب هذا لزوجتك ؟ " والشاب يقول في كل مرة : لا يا رسول الله جُعِلْتُ فداك . ولك أنْ تتصوَّر ماذا ينتاب الواحد منّا إنْ سمع سيرة أمه وأخته وزوجته في هذا الموقف . ثم يقول صلى الله عليه وسلم للشاب بعد أن هزَّه هذه الهزة العنيفة : " كذلك الناس لا يحبون لذلك لأمهاتهم ، ولا لزوجاتهم ، ولا لأخواتهم ، ولا لبناتهم . وهنا قال الشاب : " فو الله ما همَّتْ نفسي لشيء من هذا إلا وذكرتُ أمي وزوجتي وأختي وابنتي " . إذن : فالعقل هو الميزان ، وهو الذي يُجرِي المعادلة ، ويُوازِن بين الأشياء ، وكذلك إنْ جاء بمعنى النُّهى أو اللُّب فإنها تؤدي نفس المعنى : فالنُّهى من النهي عن الشيء ، واللب أي : حقيقة الشيء وأصله ، لا أنْ يكون سطحيّ التفكير يشرد منك هنا وهناك . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ … } .