Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 131-131)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن قال الحق سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ … } [ طه : 130 ] حذره أن ينظر إلى هؤلاء الجبابرة والمعاندين على أنهم في نعمة تمتد عينه إليها . ومعنى مَدِّ العين ألاَّ تقتصر على مجرد النظر على قَدَر طاقتها ، إنما يُوجهها باستزادة ويوسعها لترى أكثر مما ينبغي ، ومَدُّ العين يأتي دائماً بعد شغل النفس بالنعمة وتطلّعها إليها ، فكأن الله يقول : لا تشغل نفسك بما هم فيه من نعيم لأنه زهرة الدنيا التي سرعان ما تفنى . وقوله : { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ … } [ طه : 131 ] الأزواج لا يُراد بها هنا الرجل والمرأة ، إنما تعني الأصناف المقترنة ، كما في قوله تعالى : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ … } [ فصلت : 25 ] . كل واحد له شيطان يلازمه لا يفارقه . هذه هي الزوجية المرادة ، كذلك في قوله تعالى : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 51 ] . والزَّهْرة إشارة إلى سرعة النهاية والحياة القصيرة ، وهي زَهْرة لحياة دنيا ، وأيّ وصف لها أقل من كَوْنها دنيا ؟ وهذا الذي أعطيناهم من متاع الدنيا الزائل فأخذوا يزهُون به ، ما هو إلا فتنة واختبار { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ … } [ طه : 131 ] . والاختبار يكون بالخير كما يكون بالشر ، يقول تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً … } [ الأنبياء : 35 ] . ويقول تعالى : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } [ الفجر : 15 ] . ويشكر أنه عرفها لله { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 16 ] . وهنا يُصحِّح لهم الحق سبحانه هذه الفكرة ، يقول : كلاكما كاذب في هذا القول ، فلا النعمةَ دليلُ الإكرام ، ولا سلبها دليلُ الإهانة : { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } [ الفجر : 17ـ19 ] . فهَبْ أن الله أعطاك نعمة ولم تُؤَدِّ شكْرها وحقَّها ، فأيُّ إكرام فيها ؟ ثم يقول تعالى : { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ طه : 131 ] أي : لا تشغل بالك بما أعطاهم الله لأنه سبحانه سيعطيك أعظم من هذا ، ورِزْق ربك خير من هذا النعيم الزائل وأبْقى وأخلد لأنه دائم لا ينقطع في دار البقاء التي لا تفوتها ولا تفوتك ، أما هؤلاء فنعيمهم موقوت ، إمّا أنْ يفوتهم بالفقر ، أو يفوتوه هم بالموت . ثم يقول الحق سبحانه : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ … } .