Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 132-132)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا يعطينا الحق - تبارك وتعالى - منهجاً لإصلاح المجتمع وضمان انسجامه ، منهج يبدأ بالوحدة الأولى وهو ربُّ الأسرة ، فعليه أنْ يُصلح نفسه أولاً ، ثم ينظر إلى الوحدة الثانية ، وهي الخلية المباشرة له وأقرب الناس إليه وهم أهله وأسرته ، فهو مركز الدائرة فإذا أصلح نفسه ، فعليه أنْ يُصلح الدوائر الأخرى المباشرة له . فقوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ … } [ طه : 132 ] لتستقيم الوحدة الأولى في بناء الكون ، فإذا ما صلُحَتْ الوحدة الأولى في بناء الكون ، فأمَر كل واحد أهله بالصلاة ، استقام الكون كله وصَلُح حال الجميع . والمسألة هنا لا تقتصر على مجرد الأمر وتنتهي مسئوليته عند هذا الحدِّ إنما { وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا … } [ طه : 132 ] لأن في الصلاة مشقة تحتاج إلى صبر ، فالصلاة تحتاج إلى وقت تأخذه من حركة الحياة التي هي سبب الخير والنفْع لك ، فلا بُدَّ - إذن - من صبر عليها . وفَرْق بين اصبر واصطبر : اصبر الفعل العادي ، إنما اصطبر فيها مبالغة أي : تكلَّف حتى الصبر وتعَمَّده . ومن ذلك أن تحرص على أداء الصلاة أمام أولادك لترسخ في أذهانهم أهمية الصلاة ، فمثلاً تدخل البيت فتجد الطعام قد حضر فتقول لأولادك : انتظروني دقائق حتى أُصلي ، هنا يلتفت الأولاد إلى أن الصلاة أهمّ حتى من الأكل ، وتغرس في نفوسهم مهابةَ التكليف ، واحترامَ فريضة الصلاة ، والحرص على تقديمها على أيِّ عمل مهما كان . وكان سيدنا عمر - رضي الله عنه - يقوم من الليل يصلي ما شاء الله له أنْ يصلي حتى يؤذن للفجر ، فيُوقظ أهله للصلاة فإنْ أبَوْا رَشَّ في وجوههم الماء لأن الصلاة خَيْر من النوم ، فالنوم في مثل هذا الوقت فيه راحة للبدن ، أمّا الصلاة فهي أفضل وأعظم ، ويكفي أنك تكون فيها في حضرة الله تعالى . وهَبْ أن رب الأسرة غاب عنها لمدة شهر أو عام ، ثم فجأة قالوا : أبوكم جاء ، فترى الجميع يُهرولون إليه ، وهكذا لله المثل الأعلى ، إذا دعاك ، فلا تتخلّف عن دعوته ، بل هَرْوِل إليه ، وأسرع إلى تلبية ندائه ، ولك أنْ تتصوَّر واحداً يناديك وأنتَ لا تردّ عليه ولا تجيبه ، أعتقد أنه شيء غير مقبول ، ولا يرضاه صاحبك . إذن : عليك أنْ تُعوِّد أولادك احترام هذا النداء ، وبمجرد أن يسمعوا " الله أكبر " يُلبُّون النداء ، ولا يُقدِّمون عليه شيئاً آخر ، فالله لا يبارك في عمل ألهاك عن نداء الله أكبر لأنك انشغلتَ بالنعمة عن المنعم عز وجل . لذلك ، إنْ أردتَ أنْ تعرف خير عناصر المجتمع فانظر إلى أسبقيتهم إلى إجابة نداء الله أكبر ، فإنْ أردتَ أن تعرف مَنْ هو أعلى منه منزلةً ، فانظر إلى آخرهم خروجاً من المسجد ، وليس كذلك مَنْ يأتي الصلاة دُبُراً ، وبمجرد السلام يسرع إلى الانصراف . " ويُروى أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عابَ على أحد الصحابة إسراعه في الانصراف من المسجد بعد السلام ، فتعمَّد رسول الله أنْ يناديه في إحدى المرات ، قال : " أزهداً فيناً " ؟ وهل هناك مَنْ يزهد في رؤية رسول الله والجلوس معه ؟ فقال الرجل : لا يا رسول الله ، ولكن لي زوجة بالبيت تنتظر ثوبي هذا لتصلي فيه ، فيدعو له رسول الله ، وينصرف الرجل إلى زوجته ، فإذا بها تقول له : تأخرت بقدْرِ كذا تسبيحة ، فقال : لقد استوقفني رسول الله وحدث كذا وكذا ، فقالت له : شكوتَ ربَّك لمحمد ؟ " ثم يقول تعالى : { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ … } [ طه : 132 ] إذن : ما الذي يشغلك عن حَضْرة ربك ، الرزق ؟ { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً … } [ طه : 132 ] فالذي لا يستطيع العمل نُوجِّه إليه من الأغنياء مَنْ يطرق بابه ويعطيه ، فالغنيّ شَرْطٌ في إيمانه الفقيرُ ، وليس شرطاً في إيمان الفقير الغني . وكأن الحق سبحانه يعطينا إشارة إلى ضرورة البحث عن الفقير ، والطَّرْق على بابه لإعطائه حقَّه في مال الغنيّ ، لا ينتظره حتى يسأل ، ويُريق ماء وجهه وهو يطلب حَقّاً من حقوقه في مجتمع الإيمان . وقوله : { نَّحْنُ نَرْزُقُكَ … } [ طه : 132 ] أي : لا نسألك رزقاً ثم نتركك ، إنما لا نسألك ثم نحن نرزقك ، فاطمئن إلى هذه المسألة . { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [ طه : 132 ] لأنك إذا تأزمتْ معك أمور الحياة تلجأ إلى الله ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمر قام إلى الصلاة ، وتأزُّم الأمور يأتي حينما نفقد نحن الأسباب المعطاة من الله ، فإذا فقدتَ الأسباب وضاقتْ بك الحِيَل لم يَبْقَ لك إلا أنْ تلجأ إلى المسبِّب سبحانه ، كما يقول في آية أخرى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ … } [ الطلاق : 2 - 3 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ … } .