Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 135-135)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
التربُّص : التحفُّز لوقوع شيء بالغير ، تقول : فلان يتربص بي يعني : يلاحظني ويتابعني ، ينتظر مني هَفْوة أو خطأ ، فقوله : { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ … } [ طه : 135 ] فكُلٌّ مِنَّا يتربص بالآخر ، لأننا أعداء ، كل منا ينتظر من الآخر هفوة ويترقب ماذا يحدث له . وقد أوضح سبحانه وتعالى توجيهات التربُّص منه ومنهم في آية أخرى : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ … } [ التوبة : 52 ] . ماذا تنتظرون إلا إحدى الحُسْنيين : إما أن نموت في قتالكم شهداء ، أو ننتصر عليكم ونُذِلكم ، فأيُّ تربُّص يحدث شرف لنا ، إما النصر أو الشهادة ، فكلاهما حُسنْى ، ونحن نتربّص بكم أنْ يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ، فكلاهما سوءة . وما دام الأمر كذلك فتربَّصُوا بنا كما تحبون ، ونحن نتربص بكم كما نريد لأن تربصنا بكم يفرحنا ، وتربصكم بنا يُؤلمكم ويُحزِنكم . ومعنى { قُلْ … } [ طه : 135 ] هنا أن القول { كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ … } [ طه : 135 ] ليست من عند محمد ، فليس في يده زمام الكون ولا يعلم الغيب ، فهو قَوْل الله الذي قال له قل يا محمد { كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ … } [ طه : 135 ] . إذن : قيلتْ مِمَّن يملك أَزمّة الأمور وأعنّتها ، ولا يخرج شيء عن مراده تعالى ، وربما لو قُلْت لكم من عندي تقولون : كلام بشر لا يملك من الأمور شيئاً . إذن : خذوها لا بمقياس كلام البشر ، إنما بمقياس مَنْ يملك زمام أقْضية البشر كلها . ثم يقول تعالى : { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 135 ] متى سيحدث هذا ؟ ساعةَ تقوم الساعة حيث الانصراف ، إما إلى جنة ، وإما إلى نار ، ساعتها ستعلمون مَنْ أصحاب الصراط السوي : نحن أمْ أنتم ؟ لكنه سيكون عِلْماً لا ينفع ولا يُجدي ، فقد جاء بعد فوات الأوان ، جاء وقت الحساب لا وقت العمل وتلافي الأخطاء . إنه عِلْم لا يترتب عليه عمل ينجيكم ، فقد انتهى وقت العمل ، وهكذا يكون عِلْماً يُزيد حسرتهم ، ويُؤذيهم ولا ينفعهم . والصراط : الطريق المستقيم . والسَّويّ : المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ولا أَمْت . وقال بعدها { وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 135 ] لأنه قد يوجد الصراط السويّ ، ولا يوجد مَنْ يسلكه ، فالمراد : الصراط السَّوي ومَن اهتدى إليه وسلَكه . وقد يظن ظانٌّ أن مسألة التربُّص هذه قد تطول ، فيقطع الحق سبحانه هذا الظن بقوله في سورة الأنبياء الآتية بَعدْ : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ … } [ الأنبياء : 1 ] . وهكذا تنسجم السُّورتان ، ويتصل المعنى بين الآيات .