Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 134-134)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : أنا قطعت عليهم الحجة لأنني لو أهلكتُهم على فَتْرة من الرسل لقالوا : لماذا لم تُبقِنَا ِإلى أن يأتينا رسول ، فلو جاءنا رسول لآمنا به قبل أن نقع في الَذُّلِّ والخِزْي ، فمعنى : ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبل أن يأتي القرآن لقالوا : ربنا لولا أرسلتَ إلينا رسولاً لآمنّا به واهتدينا . وهذه مجرد كلمة هو قائلها ، وكما قال عنهم الحق سبحانه : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] إنها مجرد كلمة تنقذهم من الإشكال . وقولهم : { مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } [ طه : 134 ] الذل : ما يعتري الحييِّ مما ينشأ عنه انكساره بعد أنْ كان متعالياً ، والذلّ يكون أولاً بالهزيمة ، وأذلّ من الهزيمة الأَسْر ، لأنه قد يُهزم ثم يفِرُّ ، وأذلُّ منهما القتل . إذن : الذل يكون في الدنيا أمام المشاهدين له والمعاصرين لانكساره بعد تعاليه . أما الخزي : نخزى يعني : يُصيبنا الخزي ، وهو تخاذل النفس بعد ارتفاعها . ومن ذلك يقولون : أنت خزيت . يعني : كنت تنتظر شيئاً فوجدت خلافه . ومنه قوله تعالى : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ … } [ آل عمران : 194 ] فإنْ عُجِّل لهم الذلُّ في الدنيا ، فإن الخزي مُؤخَّر للآخرة حتى تكون فضيحتهم على رؤوس الأشهاد ، كما يقولون فضيحة بجلاجل حيث يشهد خِزْيَهم أهلُ الموقف جميعاً . وكلمة " الخزي " هذه لها معنا موقف طريف أيام كنا صغاراً نحفظ القرآن على يد سيدنا فضيلة الشيخ حسن زغلول - عليه رحمة الله - وكان رجلاً مكفوفَ البصر ، وكنا نستلخمه فإذا وجدنا فرصة تفلّتنا منه وهربنا من تصحيح اللوح الذي نحفظه ، فالذي يحفظ بمفرده هكذا من المصحف يكون عرْضة للخطأ . ومن ذلك ما حدث فعلاً من زميل لنا كان اسمه الشيخ محمد حسن عبد الباري ، وقد حضر مدير المدرسة فجأة ، وأراد أن يُسمِّع لنا ، وكان الشيخ عبد الباري لم يصحح لوحه الذي سيقرأ منه فقرأ : إنك من تدخل النار فقد أخزيته فقرأها بالراء بدلاً من الزاي ، فضحك الشيخ طويلاً - رحمه الله - وقال : يا بني المعنى صحيح ، لكن الرواية ليست هكذا . فكنا نأخذها على الشيخ عبد الباري ، فَمنْ أراد أنْ يغيظه قال : إنك من تدخل النار … ويسكتْ ! ! فشاء الله تعالى أن يتعرض كُلُّ منا لموقف مشابه يُؤْخَذ عليه ، وقد أُخِذ عليَّ مثلُ هذا حين قرأت دون أنْ أُصحِّح اللوح أول سورة الشورى : حم عسق وقد سبق لي أن عرفت حم لكن لم يمر بي عسق فقرأت : حم عَسَقَ بالوصل ، فصار الشيخ عبد الباري كلما قلت له : إنك من تدخل النار … يقول : حم . فقلنا سبحان الله : @ مَنْ يَعِبْ يَوْماً بشَيْء لَمْ يمُتْ حتَّى يَرَاهُ @@ إذن : فقول هؤلاء : { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } [ طه : 134 ] تمحُّك منهم : لو أرسلت لنا رسولاً لاتبعناه من قبل أنْ نذلّ في الدنيا هزيمةً ، أو أَسْراً ، أو قَتْلاً ، ونخزى في الآخرة بفضيحة علنية على رؤوس الأشهاد .