Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 13-13)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : وإنْ كنتُ رباً لك ورباً للكافرين فسوف أزيدك خصوصية لك { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } [ طه : 13 ] أي : للرسالة ، والله أعلم حيث يجعل رسالته . لذلك لم نزل القرآن على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اعترض كفار مكة على القرآن ، ولم يجدوا فيه عيباً فيما يدعو إليه من أخلاق فاضلة ومُثل عليا ، ولم يجدوا فيه مَأْخذاً في أسلوبه ، وهم أمة ألِفتْ الأسلوب الجيد ، وعَشقَتْ آذانها فصاحة الكلام ، فتوجهوا بنقدهم إلى رسول الله فقالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . فكلُّ اعتراضهم أنْ ينزلَ القرآن على محمد بالذات لذلك رَدَّ عليهم القرآن بما يكشف غباءهم في هذه المسألة ، فقال : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] كيف ونحن قد قسمنا بينهم معيشتهم الأدْنى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } [ الزخرف : 32 ] . وهم يريدون أنْ يقسموا رحمة الله فيقولون : نزل هذا على هذا ، وهذا على هذا ؟ ثم يقول تعالى : { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [ طه : 13 ] مادة : سمع . منها : سمع ، واستمع وتسمَّع . قولنا : سمع أي مصادفة وأنت تسير في الطريق تسمع كلاماً كثيراً . منه ما يُهمك وما لا يهمك ، فليس على الأذن حجاب يمنع السمع كالجفْنِ للعين ، مثلاً حين ترى منظراً لا تحبه . إذن : أنت تسمع كل ما يصل إلى أذنك ، فليس لك فيه خيار . إنما : استمع أنْ تتكلَّف السماع ، والمتكلم حُر في أنْ يتكلم أو لا يتكلم . وتسمَّع . أي : تكلّف أشدّ تكلّفاً لكي يسمع . لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم حين يخبر أنه ستُعم بلوى الغِنَاء ، وستنتشر الأجهزة التي ستشيع هذه البلوى ، وتصبها في كل الآذان رَغْماً عنها يقول : " مَنْ تسمَّع إلى قَيْنة صب الآنك في أذنيه " . أي : تكلَّف أنْ يسمع ، وتعمَّد أن يوجه جهاز الراديو أو التليفزيون إلى هذا الغناء ، ولم يقُل : سمع ، وإلاّ فالجميع يناله من هذا الشر رَغْماً عنه . وهنا قال تعالى : فَاسْتَمِعْ ولم يقُلْ : تسمَّع : لأنه لا يقترح على الله تعالى أنْ يتكلم ، ومعنى : استمع أي : جَنِّد كلَّ جوارحك ، وهيىء كُلَّ حواسّك لأن تسمع ، فإنْ كانت الأذن للسمع ، فهناك حواسّ أخرى يمكن أنْ تشغلها عن الانتباه ، فالعين تبصر ، والأنف يشمّ ، واللسان يتكلم . فعليك أنْ تُجنِّد كل الحواسّ لكي تسمع ، وتستحضر قلبك لتعي ما تسمعه ، وتنفذ ما طلب منك لذلك حين تخاطب صاحبك فتجده مُنْشغِلاً عنك تقول : كأنك لست معنا . لماذا ؟ لأن جارحة من جوارحه شردتْ ، فشغلتْه عن السماع . وقوله تعالى : { لِمَا يُوحَىۤ } [ طه : 13 ] الوحي عموماً : إعلام بخفاء من أيٍّ لأيٍّ في أيٍّ ، خيراً كان أم شراً ، أمّا الوحي الشرعي فهو : إعلام من الله إلى رسول أرسله بمنهج خَيْر للعباد ، فإنْ كان الوحي من الله إلى أم موسى مثلاً ، أو إلى الحواريين فليس هذا من الوحي الشرعي . وهكذا تحدَّدَتْ من أيٍّ لأيٍّ في أيٍّ . لكن ، كيف ينزل الوحي من الله تعالى على الرسول ؟ كيف تلتقى الألوهية في عُلُوِّها بالبشرية في دُنوها ؟ إذن : لا بُدَّ من واسطة لذلك قال تعالى : { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ … } [ الحج : 75 ] . فالمصطفى من الملائكة يتقبَّل من الله ، ويعطي للمصطفى من البشر لأن الأعلى لا يمكن أنْ يلتقي بالأدنى مباشرة { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ … } [ الشورى : 51 ] . فاستعداد الإنسان وطبيعته لا تُؤهّله لهذا اللقاء ، كيف ولما تجلَّى الحق - سبحانه - للجبل جعله دَكّاً ، ومن عظمته سبحانه أننا لا نراه ولا نتكلم معه مباشرة ، ولا نُحِسّه بأيّ حاسة من حواسنا ، ولو حُسَّ الإله بأيِّ حاسة ما استحق أنْ يكونَ إلهاً . وكيف يُحَسُّ الحق - تبارك وتعالى - ومن خَلْقه وصَنْعته مَا لا يُحَسُّ ، كالروح مثلاً ؟ فنحن لا نعلم كُنْهها ، ولا أين هي ، ولا نُحِسّها بأيّ حاسّة من حواسنا ، فإذا كانت الروح المخلوقة لم نستطع أنْ ندركها ، فكيف ندرك خالقها ؟ الحق الذي يدَّعيه الناس ويتمسَّحون فيه ، ويفخر كل منهم أنه يقول كلمة الحق ، وكذلك العدل وغيرها من المعاني : أتدركها ، أتعرف لها شكلاً ؟ فكيف - إذن - تطمع في أنْ تدرك الخالق عز وجل ؟ إذن : من عظمته سبحانه أنه لا تدركه الحواس ، ولا يلتقي بالخَلْق لقاءً مباشراً ، فالمصطفى من الملائكة يأخذ عن الله ، ويعطى للمصطفى من الخَلْق ، ثم المصطفى من الخَلْق يعطى للخَلْق ، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم يجهد ، ويتصبَّب جبينه عَرَقاً في أول الوحي ؟ ولذلك شاء الحق سبحانه أنْ يحجبَ الوحي عن رسوله فترة ليستريح من مباشرة المَلكِ له ، وبانقطاع الوحي تبقى لرسول الله حلاوة ما أوحي إليه ويتشوّق إلى الوحي من جديد ، فيهون عليه ما يلاقي في سبيله من مشقة لأن انشغال القلب بالشيء يُنسي متاعبه ؟ . وقد رُوي أنه صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي يُسمَع حوله دَوِيٌّ كدَويِّ النحل ، ولو صادف أن رسول الله وضع رجله على أحد أصحابه حين نزول الوحي عليه فكان الصحابي يشعر كأنها جبل ، وإن نزل الوحي وهو على دابة كانت تنخ وتئن من ثِقَله . وقد مثّلنا للواسطة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية بالتيار الكهربائي حين نُوصِّله بمصباح صغير لا يتحمل قوة التيار ، فيضعون له جهازاً ينظم التيار ، ويعطي للمصباح على قَدْر حاجته وإلاّ يحترق . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ … } .