Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الشقاء : هو التعب والنَّصَب والكدّ ، فالحق سبحانه ينفي عن رسوله صلى الله عليه وسلم التعب بسبب إنزال القرآن عليه ، إذن : فما المقابل ؟ المقابل : أنزلنا عليك القرآن لتسعد ، تسعد أولاً بأن اصطفاك لأن تكون أَهْلاً لنزول القرآن عليك ، وتسعد بأن تحمل نفسك أولاً على منهج الله وفِعْل الخير كل الخير . فلماذا - إذن - جاءتْ كلمة { لِتَشْقَىٰ } [ طه : 2 ] ؟ . هذا كلام الكفار أمثال أبي جهل ، ومُطعِم بن عدي ، والنضر بن الحارث ، والوليد بن المغيرة حينما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له : لقد أشقيتَ نفسك بهذه الدعوة . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله بعثني رحمة للعالمين " . فقد بعث رسول الله ليسعد ويسعد معه قومه والناس أجمعين لا ليشقى ويُشقِي معه الناس . لكن من أين جاء الكفار بمسألة الشقاء هذه ؟ المؤمن لو نظر إلى منهج الله الذي نزل به القرآن لوجده يتدخل في إراداته واختياراته ، ويقف أمام شهواته ، فيأمره بما يكره وما يشقُّ على نفسه ، ويمنعه مما يألَف ومما يحب . إذن : فمنهج الله ضد مرادات الاختيار ، وهذا يُتعِب النفس ويشقُّ عليها إذا عُزِلَتْ الوسيلة عن غايتها ، فنظرت إلى الدنيا والتكليف منفصلاً عن الآخرة والجزاء . أمّا المؤمن فيقرن بين الوسيلة والغاية ، ويتعب في الدنيا على أمل الثواب في الآخرة ، فيسعد بمنهج الله ، لا يشقى به أبداً . كالتلميذ الذي يتحمل مشقّة الدرس والتحصيل لأنه يستحضر فَرْحة الفوز والنجاح آخر العام . من هنا رأى هؤلاء الكفار في منهج الله مشقة وتعباً ، لأنهم عزلوا الوسيلة عن غايتها لذلك شعروا بالمشقة ، في حين شعر المؤمنون بلذة العبادة ومتعة التكليف من الله ، وهذه المسألة هي التي جعلتهم يتخذون آلهةً لا مطالبَ لها ، ولا منهج ، ولا تكليف ، آلهة يعبدونها على هواهم ، ويسيرون في ظلها على حَلِّ شعورهم . لذلك أوضح القرآن أنهم مغفلون في هذه المسألة ، فقال : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } [ طه : 2 ] . أو يكون الشقاء : تعرُّضه لِعُتاة قريش وصناديدها الذين سخروا منه ، وآذوه وسلَّطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم ، يشتمونه ويرمونه بالحجارة ، وهو صلى الله عليه وسلم يُشقِي نفسه بدعوتهم والحرص على هدايتهم . والحق تبارك وتعالى ينفي الشقاء بهذا المعنى أيضاً : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } [ طه : 2 ] أي : لتُشقي نفسك معهم ، إنما أنزلناه لتبلغهم فحسب ، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن كثيراً في مثل قوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] وقوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] . وسبق أنْ ضربنا لذلك مثلاً - ولله المثَل الأعلى - برجل عنده عبدان : ربط أحدهما إليه بحبل ، وأطلق الآخر حُراً ، فإذا ما دعاهما فاستجابا لأمره ، فأيهما أطوع له ، وأكثر احتراماً لأمره ؟ لا شكَّ أنه الحر الطليق لأنه جاء مختاراً ، في حين كان قادراً على العصيان . وكذلك ربك - تبارك وتعالى - يريد منك أن تأتيه حُراً مختاراً مؤمناً ، وأنت قادر ألاَّ تؤمن . والبعض يحلو لهم نقد الإسلام واتهام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : إن رسول الله يخطىء والله يُصوِّب له ، ونتعجب : وما يضيركم أنتم ؟ طالما أن ربه هو الذي يُصوِّب له ، هل أنتم الذين صَوَّبتم لرسول الله ! ؟ ثم مَنْ أخبركم بخطأ رسول الله ؟ أليس هو الذي أخبركم ؟ أليس هذا من قوة أمانته في التبليغ ويجب أن تحمد له ؟ إذن : فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستنكف أنْ يُربِّيه ربه لذلك يقول : " إنما أنا بشر يَرِد عليَّ - يعني من الحق - فأقول : أنا لست كأحدكم ، ويُؤخذ مني فأقول : ما أنا إلا بشر مثلكم " . وقد تمحَّك هؤلاء كثيراً في قصة عبد الله بن أم مكتوم ، حينما انشغل عنه رسول الله بكبار قريش ، والمتأمل في هذه القصة يجد أن ابن أم مكتوم كان رجلاً مؤمناً جاء ليستفهم من رسول الله عن شيء ، فالكلام معه ميسور وأمر سَهْل ، أمّا هؤلاء فهم رؤوس الكفر وكبار القوم ، ولديهم مع ذلك لَدَد في خصومتهم للإسلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يحرص على هدايتهم ويُرهِق نفسه في جدالهم أملاً في أنْ يهدي الله بهم مَنْ دونهم . إذن : النبي في هذا الموقف اختار لنفسه الأصعب ، وربه يعاتبه على ذلك ، فهو عِتَاب لصالحه ، له لا عليه . ثم يقول الحق سبحانه : { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن … } .