Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 40-40)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن : كان لأخت موسى دور في قصته ، كما قال تعالى في موضع آخر : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ القصص : 11 ] . والمراد : تتبعيه بعد أنْ علمتِ نجاته من اليمّ ، فتتبعته ، وعرفتْ أنه في بيت فرعون ، ثم حرَّم الله عليه المراضع ، فكان يعَافُ المرضعات ، وهنا تدخلت أخته لتقول : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ … } [ طه : 40 ] وهذا الترتيب لا يقدر عليه إلا الله . ويقول تعالى : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ … } [ طه : 40 ] حين نستقرىء مادة رجع في القرآن نجدها تأتي مرة لازمة كما في : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ … } [ الأعراف : 150 ] . وتأتي متعدية كما في : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ … } [ طه : 40 ] وفي : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ … } [ التوبة : 83 ] . والفَرْق بين اللازم والمتعدِّي أن اللازم رجع بذاته ، أمّا المتعدي فقد أرجعه غيره ، فالرجوع أن تصير إلى حال كنتَ عليها وتركتها ، فإنْ رجعت بنفسك دون دوافع حملتْك على الرجوع فالفعل لازم ، فإنْ كانت هناك أمور دفعتْك للرجوع فالفعل مُتعَدٍّ . ومثل رجعك : أرجعك ، إلا أن رجعك : الرجوع - في ظاهر الأمر منك من دون دوافع منك . وأرجعك : أي رَغْماً عن إرادتك . وقوله : { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها … } [ طه : 40 ] تقرُّ العين أي : تثبت لأن التطلعات إما أن تكون معنوية أو حِسِّية ، فالإنسان لديه أمانٍ يتطلع إلى تحقيقها ، فإذا ما تحققت نقول : لم يعُدْ يتطلع إلى شيء . وكذلك في الشيء الحسِّيِّ ، فالعرب يقولون للشيء الجميل : قيد النواظر . أي : يقيد العين فلا تتحول عنه لأن الإنسان لا يتحول عن الجميل إلا إذا رأى ما هو أجمل ، وهذا ما يسمونه قُرَّة العين . يعني الشيء الحسن الذي تستقر عنده العين ، ولا تطلب عليه مزيداً في الحُسْن . ثم يقول تعالى : { وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً … } [ طه : 40 ] وهذه مِنَّة أخرى من مِنَن الله تعالى على موسى عليه السلام ، فمِنَنُ الله عليه كثيرة كما قال : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } [ طه : 37 ] فهي مرة ، لكن هناك مرات . ومسألة القتل هذه وردتْ في قوله تعالى : { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ … } [ القصص : 15 ] . وخرج من المدينة خائفاً يترقب الناس لئلا يلحقوا به فيقتلوه ، وهذا معنى { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ … } [ طه : 40 ] أي : من القتل ، أو من الإمساك بك { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً … } [ طه : 40 ] أي : عرَّضناك لمحن كثيرة ، ثم نجيناك منها ، أولها : أنك وُلِدْت في عام يُقتل فيه الأطفال ، ثم رمتْكَ أمك في اليم ، ثم ما حدث منه مع فرعون لما جذبه من ذقنه . ثم يقول تعالى : { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 40 ] ذكر الله تعالى مدة مُكْثه في أهل مدين على أنها من مننه على موسى مع أنه كان فيها أجيراً ، وقال عن نفسه : { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] . وفي مدين تعرّف على شعيب عليه السلام ، وتزوج من ابنته وأنجب منها ولداً ، وموسى في هذا كله غريب عن وطنه ، بعيد عن أمه ، فلما أراد الله له الرسالة شَوَّقه إلى وطنه ورؤية أمه ، وقَدَّر له العودة فقال تعالى : { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 40 ] . أي : على قَدَر من اصطفائك ، فقَدَر الله هو الذي حرَّك في قلبك الشوق للعودة ، وحملك على أنْ تمشي في الطريق غير المأهول ، وتتحمل مشقة البرد وعناء السفر ، قَدَر الله هو الذي حرّك فيك خاطر الشوق لأمك ، ففي طريق العودة وفي طُوىً أنت على موعد مع الاصطفاء والرسالة . لذلك ، فإن الشاعر الذي مدح الخليفة قال له : @ جاء الخِلاَفَةَ أوْ كانتْ لَهُ قَدَراً كَما أتَى ربَّه مُوسَى عَلَى قَدَرِ @@ ثم يقول الحق سبحانه لموسى : { وَٱصْطَنَعْتُكَ … } .