Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 44-44)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا لفرعون بعد أنْ طغى ، ومن الذي حكم عليه بالطغيان ؟ حين تحكم أنت عليه بالطغيان فهو طغيان يناسب قدرات وإمكانات البشر ، أمّا أن يقول عنه الحق تبارك وتعالى { إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 43 ] فلا بُدَّ أنه تجاوز كل الحدود ، وبلغ قمة الطغيان ، فربُّنا هو الذي يقول . فقوله : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً … } [ طه : 44 ] فلا بُدَّ أنْ تعطيه فُسْحة كي يرى حُجَجك وآياتك ، ولا تبادره بعنف وغِلْظة ، وقالوا : النصح ثقيل ، فلا ترسله جبلاً ، ولا تجعله جدلاً ، ولا تجمع على المنصوح شدتين : أنْ تُخرِجه مما ألف بما يكره ، بل تُخرِجه مما ألِف بما يحب . وهذا منهج في الدعوة واضح وثابت ، كما في قوله تعالى : { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ … } [ النحل : 125 ] . لأنك تخلعه مما اعتاد وألف ، وتُخرجه عَمَّا أحبَّ من حرية واستهتار في الشهوات والملذات ، ثم تُقيِّده بالمنهج ، فليكُنْ ذلك برفق ولُطْف . وهذه سياسة يستخدمها البشر الآن في مجال الدواء ، فبعد أن كان الدواء مُرّاً يعافُه المرضى ، توصلوا الآن إلى برشمة الدواء المر وتغليفه بطبقة حلوة المذاق حتى تتم عملية البَلْع ، ويتجاوز الدواء منطقة المذاق . وكذلك الحال في مرارة الحق والنصيحة ، عليك أنْ تُغلِّفها بالقول اللين اللطيف . وقوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] لعل : رجاء ، فكيف يقول الحق تبارك وتعالى : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] وفي عِلْمه تعالى أنه لن يتذكَّر ولن يخشى ، وسيموت كافراً غريقاً ؟ قالوا : لأن الحق سبحانه يريد لموسى أن يدخل على فرعون دخول الواثق من أنه سيهتدي ، لا دخولَ اليائس من هدايته ، لتكون لديه الطاقة الكافية لمناقشته وعَرْض الحجج عليه ، أمّا لو دخل وهو يعلم هذه النتيجة لكان محبطاً لا يرى من كلامه فائدة ، كما يقولون ضربوا الأعور على عينه قال خسرانة خسرانة . فالحق سبحانه يعلم ما سيكون من أمر فرعون ، لكنْ يريد أنْ يقيمَ الحجة عليه { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ … } [ النساء : 165 ] . وقوله : { يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] كأن الإنسان إذا ما ترك شراسة تفكيره ، وغُمة شهواته في نفسه ، لا بُدَّ أنْ يهتدي بفطرته إلى وجود الله أو يتذكر عالم الذَّر ، والعهد الذي أخذه الله عليه يوم أنْ قال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ … } [ الأعراف : 172 ] . والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يُهوِّدانه ، أو يُنصِّرانه ، أو يُمجِّسانه " . فلو تذكّر الإنسان ، وجرَّد نفسه من هواها لا بُدَّ له أنْ يهتدي إلى وجود الله ، لكن الحق - سبحانه وتعالى - جعل للغفلة مجالاً ، وأرسل الرسل للتذكير لذلك قال : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ … } [ النساء : 165 ] ولم يقل : بادئين . أمّا مسألة الإيمان بالله فكان ينبغي أن تكون واضحة معروفة للناس أن هناك إيماناً بإله خالق قادر فقط ينتظرون ما يطلبه منهم وما يتعبّدهم به . ماذا تفعل ؟ وماذا تترك ؟ وهذه هي مهمة الرسل . وسبق أن ضربنا مثلاً برجل انقطعت به السُّبل في صحراء دَويَّة ، لا يجد ماءً ولا طعاماً ، حتى أشرف على الهلاك ، ثم غلبه النوم فنام ، فلما استيقظ إذا بمائدة عليها ألوان الطعام والشراب . بالله قبل أنْ يمد يده للطعام ، ألاَ يسأل : مَنْ أتى إليه به ؟ وهكذا الإنسان ، طرأ على كون مُعَدٍّ لاستقباله : أرض ، وسماء ، وشمس ، وقمر ، وزرع ، ومياه ، وهواء . أليس جديراً به أن يسأل : من الذي خلق هذا الكون البديع ؟ فلو تذكرتَ ما طرأتَ عليه من الخير في الدنيا لانتهيتَ إلى الإيمان . فمعنى : { يَتَذَكَّرُ … } [ طه : 44 ] أي : النعم السابقة فيؤمن بالمنعم { أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] يخاف العقوبة اللاحقة ، فيؤمن بالله الذي تصير إليه الأمور في الآخرة . ثم يقول الحق تبارك وتعالى عنهما : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ … } .