Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 63-63)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

توقف العلماء طويلاً حول هذه الآية ، لأن فيها قراءتين إنْ هذان بسكون إنْ والأخرى إنَّ هذان بالتشديد . والقراءة التي نحن عليها قراءة حفص { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ … } [ طه : 63 ] و إنْ شرطية إنْ دخلت على الفعل ، كما نقول : إنْ زارني زيد أكرمته ، وتأتي نافية بمعنى ما ، كما في قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ … } [ المجادلة : 2 ] . فالمعنى : ما أمهاتهم إلا اللائي وَلَدْنهم . كذلك في قوله تعالى : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ … } [ طه : 63 ] فالمعنى : ما هذان إلا ساحران ، فتكون اللام في { لَسَاحِرَانِ … } [ طه : 63 ] بمعنى إلا . كأنك قُلْتَ : ما هذان إلا ساحران . وتأتي اللام بمعنى إلا ، إذا اختلفنا مثلاً على شيء ، كل واحد مِنّا يدَّعيه لنفسه ، فيأتي الحكم يقول : لَزَيدُ أحقُّ به ، كأنه قال : ما هذا الشيء إلا لزيد . إذن : اللام تأتي بمعنى إلا . وعلى القراءة الثانية بالتشديد إنَّ هذان لساحران فإنَّ حرف ناسخ ينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، تقول : إنَّ زيداً مجتهدٌ ، أما في الآية بهذه القراءة : إنّ هذان لساحران جاء اسم إنَّ هذان بالرفع بالألف لأنه مثنى ، والقاعدة تقتضي أن نقول هذين . فكيف يتم توجيه إنَّ المشددة الناسخة وبعدها الاسم مرفوع ؟ قالوا : هذه لغة كنانة إحدى قبائل العرب ، وكان لكل قبيلة لهجتها الخاصة ولغتها المشهورة فيقولون : جعجعة خزاعة ، وطُمْطُمانيّة حِمْيَر ، وتَلْتلة بَهْراء ، وفحفحة هذيل … الخ . ولما نزل القرآن نزل على جمهرة اللغة القرشية لأن لغات العرب جميعها كانت تصبُّ في لغة قريش في مواسم الحج والشعر والتجارة وغيرها ، فكانت لغة قريش هي السائدة بين لغات كل هذه القبائل لذلك نزل بها القرآن ، لكن الحق تبارك وتعالى أراد أن يكون للقبائل الأخرى نصيب ، فجاءت بعض ألفاظ القرآن على لهجات العرب المختلفة للدلالة على أن القرآن ليس لقريش وحدها ، ليجعل لها السيادة على العرب ، وإنما جاء للجميع . ومن لهجات القبائل التي نزل بها القرآن لهجة كنانة التي تلزم المثنى الألف في كل أحواله رَفْعاً ونَصْباً وجراً . وشاهِدهم في كتب النحو قول شاعرهم : @ وَاهَاً لِسَلْمى ثُمَّ وَاَهَا وَاهَا يَا ليْتَ عَيْناهَا لَنَا وَافَاهَا هِيَ المُنَى لَوْ أنَّنَا نِلْناهَا ومَوْضِع الخُلْخال من قَدمَاهَا إنَّ أبَاهَا وأبَا أَبَاهَا قَدْ بلغَا في المجْدِ غَايتَاهَا @@ فقال : إنَّ أباها . ولم يقل : إنَّ أبيها لأنه يُلزِم المثنى الألف . إذن : لم ينزل القرآن بلغة قريش على أنها لغة سيادة ، وإنما لأنها تنطوي على زُبْدة فصاحات لغات الجزيرة كلها ، وكانت لغة قريش تصفَّى في مواسم الشعر والأدب في عكاظ وذى المجنّة وغيرها . نعود إلى قول الحق تبارك وتعالى : { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا … } [ طه : 63 ] ويبدو أن استعداء فرعون لقومه على موسى وهارون جاء بنتيجة ونالتْ حيلته من نفوسهم لذلك يُردِّدون نفس كلام المعلم الكبير فرعون ، فيتهمون موسى وهارون بالسحر . وقولهم : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } [ طه : 63 ] طريقتهم المثلى . أي : ما ارتضاه القوم للعيش عليه ، والمذهب والطريق الذي سلكوه . والمراد بالطريقة المثلى التي ساروا عليها أنهم اتخذوا واحداً منهم إلهاً يعبدونه ويأتمرون بأمر ، تلك هي الطريقة المثلى ! ! والمثلى : أي الفاضلة مُذكّرها أمثل .