Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 77-77)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان هذا الوحي لموسى - عليه السلام - بعد أنِ انتهت المعركة ، وانتصر فيها معسكر الإيمان ، أما فرعون فقد خسر سلاحاً من أهمِّ أسلحته وجانباً كبيراً من سَطْوته وجبروته . وهنا جمع موسى بني إسرائيل ، وهم بقايا ذرية آل يعقوب ليذهب بهم إلى أرض الميعاد ، وسرعان ما أعدَّ فرعون جيشه وجمع جموعه ، وسار خلفهم يتبعهم إلى ساحل البحر ، فإذا بموسى وقومه مُحَاصرين : البحر من أمامهم ، وفرعون بجيشه من خلفهم ، وليس لهم مَخْرج من هذا المأزق . هذا حُكْم القضايا البشرية المنعزلة عن ربِّ البشر ، أما في نظر المؤمن فلها حَلٌّ لأن قضاياه ليست بمعزل عن ربه وخالقه لأنه مؤمن حين تصيبه مصيبة ، أو يمسه مكروه ينظر فإذا ربُّه يرعاه ، فيلجأ إليه ، ويرتاح في كَنَفِه . لذلك يقولون : لا كَرْبَ وأنت ربٌّ ، وما دام لي رب ألجأ إليه فليست هناك معضلة ، المعضلة فيمن ليس له رَبٌّ يلجأ إليه . وقد ضربنا لذلك مثلاً - ولله المثل الأعلى - لو أن إنساناً معه في جيبه جنيه ، فسقط منه في الطريق ، فإذا لم يكُنْ عنده غيره يحزن أمّا إنْ كان لديه مال آخر فسوف يجد فيه عِوَضاً عَمَّا ضاع منه ، هذا الرصيد الذي تحتفظ به هو إيمانك بالله . وهنا جاء الأمر من الله تعالى لموسى - عليه السلام - ليُخرجه وقومه من هذا المأزق : { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً … } [ طه : 77 ] . أَسْرِ : من الإسراء ليلاً . أي : السير لأنه أستر للسائر . وقوله : { بِعِبَادِي … } [ طه : 77 ] كملة " عبد " تُجمع على " عبيد " و " عباد " والفَرْق بينهما أن كل مَنْ في الكون عبيد لله تعالى لأنهم وإنْ كانوا مختارين في أشياء ، فهم مقهورون في أشياء أخرى ، فالذي تعوَّد باختياره على مخالفة منهج الله ، وله دُرْبة على ذلك ، فله قَهْريات مثل المرض أو الموت . أما العباد فهم الصَّفْوة التي اختارت مراد الله على مرادها ، واختياره على اختيارها ، فإنْ خيَّرهم : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ … } [ الكهف : 29 ] خرجوا عن اختيارهم لاختيار ربهم . لذلك نسبهم الله إليه فقال : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … } [ الحجر : 42 ] وقال عنهم : { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [ الأنبياء : 26 ] وقال : { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً … } [ الفرقان : 63 ] . ويقول الحق سبحانه : { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً … } [ طه : 77 ] أي : يابساً جافاً وسط الماء . والضرب : إيقاع شيء من ضارب بآلة على مضروب ، ومنه ضَرب العملة أي : سكَّها وختمها ، فبعد أنْ كان قطعةَ معدن أصبح عملة متداولة . وضرب موسى البحر بعصاه فانفلق البحر وانحسر الماء عن طريق جافّ صالح للمشي بالأقدام ، وهذه مسألة لا يتصورها قانون البشر لذلك يُطمئنه ربه { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً . . } [ طه : 77 ] أي : من فرعون أنْ يُدرِككَ { وَلاَ تَخْشَىٰ … } [ طه : 77 ] أي : غرقاً من البحر لأن الطريق مضروب أي : مُعَد ومُمهَّد وصالح لهذه المهمة . وهذه معجزة أخرى لعصا موسى التي ألقاها ، فصارت حية تسعى ، وضرب بها البحر فانفلق فصار ما تحت العصا طريقاً يابساً ، وما حولها جبالاً { كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [ الشعراء : 63 ] وهي التي ضرب بها الحجر فانبجس منه الماء . والسياق هنا لم يذكر شيئاً عن الحوار الذي دار بين موسى وقومه حينما وقعوا في هذه الضائقة ، لكن جاء في لقطة أخرى من القصة حيث قال تعالى : { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 61 - 62 ] . وبتعدد اللقطات في القرآن تكتمل الصورة العامة للقصة ، وليس في ذلك تكرار كما يتوهّم البعض . فقبل أنْ يُوحِي إليه : { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً … } [ طه : 77 ] قال القوم : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] فقال : كَلاّ . لكن كيف يقولها قَوْلة الواثق وما يخافون منه محتمل أنْ يقع بعد لحظة ؟ نقول : لأنه لم يقل كَلاَّ من عنده ، لم يَقُلها بقانون البشر ، إنما بقانون خالق البشر { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] فأنا لا أغالطكم ، ولسْتُ بمعزل عن السماء وتوجيه ربي . ثم يقول الحق سبحانه : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ … } .