Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 80-80)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لله عز وجل على بني إسرائيل منَنٌ كثيرة ونِعَم لا تُعَدُّ ، كان مقتضى العبادية التي وصفهم بها { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي … } [ طه : 77 ] أَن يُنَفِّذوا منهج ربهم ، ويذكروا نعمه ذِكْراً لا يغيب عن بالهم أبداً ، بحيث كلما تحركتْ نفوسهم إلى مخالفة ذكروا نعمةً من نِعَم الله عليهم ، تذكّروا أنهم غير متطوعين بالإيمان ، إنما يردُّون لله ما عليهم من نِعَم وآلاء . والحق - تبارك وتعالى - هنا يذكِّرهم ببعض نِعَمه ، ويناديهم بأحبِّ نداء { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ … } [ طه : 80 ] وإسرائيل يعني عبد الله ، عبده المخلص ، كما تقول لصاحبك : يا ابن الرجل الطيب … الورع ، فالحق يُذكِّرهم بأصلهم الطيب ، وينسبهم إلى نبي من أنبيائه . كأنه يلفت أنظارهم أنه لا يليق بكم المخالفة ، ولا الخروج عن المنهج . وأنتم سلالة هذا الرجل الصالح . وقوله تعالى : { قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ … } [ طه : 80 ] أي : من فرعون الذي استذلكم ، وذبح أبناءكم ، واستحى نساءكم ويُسخِّرهم في الأعمال دون أجر ، وفعل بكم الأفاعيل ، ثم { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ … } [ طه : 80 ] لتأخذوا المنهج السليم لحركة الحياة . إذن : خلَّصْناكم من أذى ، وواعدناكم لنعمة . { وَوَاعَدْنَاكُمْ … } [ طه : 80 ] واعد : مفاعلة لا تكون إلا من طرفيْن مثل : شارك وخاصم ، فهل كان الوَعْد من جانبهما معاً : الله عز وجل وبني إسرائيل ؟ الوَعْد كان من الله تعالى ، لكن لم يقُلْ القرآن : وعدناكم . بل أشرك بني إسرائيل في الوعد ، وهذا يُنبِّهنا إلى أنه إذا وعدك إنسان بشيء ووافقتَ ، فكأنك دخلتَ في الوعد . وجانب الطور الأيمن : مكان تلقِّي منهج السماء ، وهو مكان بعيد في الصحراء ، لا زرعَ فيه ولا ماء لذلك يضمن لهم ربُّهم عز وجل ما يُقِيتهم { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } [ طه : 80 ] . المنّ : سائل أبيض يشبه العسل ، يتساقط مثل قطرات بلورية تشبه الندى على ورق الأشجار ، وفي الصباح يجمعونه كطعام حلو . وهذه النعمة ما زالت موجودة في العراق مثلاً ، وتقوم عليها صناعة كبيرة هي صناعة المنّ . والسَّلْوى : طائر يشبه طائر السَّمان . وهكذا وفَّر لهم الحق - تبارك وتعالى - مُقوِّمات الحياة بهذه المادة السُّكَّرية لذيذة الطعم تجمع بين القشدة مع عسل النحل ، وطائر شهي دون تعب منهم ، ودون مجهود ، بل يروْنَه بين أيديهم مُعَدّاً جاهزاً ، وكان المنتظر منهم أن يشكروا نعمة الله عليهم ، لكنهم اعترضوا عليها فقالوا : { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ … } [ البقرة : 61 ] . وفي سورة البقرة ذكر مع هذه النعمة التي صاحبتهم في جَدْب الصحراء نعمة أخرى ، فقال تعالى : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ … } [ البقرة : 57 ] أي : حَمْيانكم من وهج الشمس وحرارتها حين تسيرون في هذه الصحراء . ونلحظ اختلاف السياق هنا { نَزَّلْنَا } ، وفي البقرة قال : { أنْزَلْنَا } ذلك لأن الحق - تبارك وتعالى - يعالج الموضوع في لقطات مختلفة من جميع زواياه ، فقوله { أنْزَلْنَا } تدل على التعدِّي الأول للفعل ، وقد يأتي لمرة واحدة ، إنما { نَزَّلنَا } فتدلُّ على التوالي في الإنزال . وأهل الريف في بلادنا يُطلِقون المنَّ على مادة تميل إلى الحمرة الداكنة ، ثم تتحول إلى السواد ، تسقط على النبات ، لكنها ليست نعمةً ، بل تُعَدُّ آفة من الآفات الضارة بالنبات . ثم يقول الحق سبحانه : { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ … } .