Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 82-82)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
غفار : صيغة مبالغة من غفر ، فإذا أثبت المبالغة فالترتيب اللغوي بالتالي يُثبتِ الأقلَّ وهو غافر ، هذا في الإثبات : وكذلك في النفي في مثل قوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] فنفى المبالغة في الظلم ، فهل يعني ذلك أنه - تبارك وتعالى - يمكن أن يكون ظالماً ؟ والشيء يُبالغ فيه لأمرين : الأول : أن تبالغ في نفس الحدث ، كأن تأكلَ رغيفاً في الوجبة أو رغيفين ، وآخر يأكل خمسة أرغفة ، فهذه منه مبالغة في نفس الحدث وهو الأكل ، والثاني : قد تكون المبالغة بتكرار الحدَث ، فالعادة أن نأكل ثلاث مرات ، وهناك مَنْ يأكل سِتّ وجبات ، ونسميه أكول أي : كثير الأكل ، لا في الوجبة الواحدة ، إنما في عدد الوجبات . فمعنى غَفَّارٌ غافر لي ، وغافر لك ، وغافر لهذا وهذا … غافر لكل الخَلْق ، فتكررت مغفرته عز وجل لخَلْقه . وقد شرع الحق - سبحانه وتعالى - المغفرة والتوبة ليحمي المجتمعات من شرار الناس فيها ، فالشرير إذا ارتكب جريمة ولم يجد له فرصة للمغفرة والتوبة ، فإنه يستمرىء الجريمة ، بل ويبالغ فيها . أما إذا فُتِح له باب التوبة والمغفرة فإن هذا يرحم المجتمع من شراسة أصحاب السوء . والله - عز وجل - ليس غافراً للذنوب فحسب ، بل هو غفار لها ، وكلما عدت إليه غفر لك ، ولكن وَطِّن نفسك أنك إذا فعلت الذنب وتُبْت منه فلا تعد إليه ، ولا ترتب وتخطط لمعصيتك على أمل أن تتوب ، فما يدريك أن تعيش إلى أن تتوب ؟ والمغفرة تكون { لِّمَن تَابَ وَآمَنَ … } [ طه : 82 ] وما دام قال { تَابَ وَآمَنَ … } [ طه : 82 ] فلا بُدَّ أن التوبة هنا عن الكُفْر ، ثم أنشأ إيماناً بالله وبرسوله . والإيمان هو الينبوع الذي يصدر عنه السُّلوك البشري ، وهذا يقتضي أن تسمع كلامه وتُنفِّذ أوامره ، وتجتنب نواهيه ، وهذا هو المراد بقوله { وَعَمِلَ صَالِحَاً … } [ طه : 82 ] . لكن ، أليس العمل الصالح هداية ؟ فلماذا قال بعدها { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] قالوا : لأن الهداية أنْ تستمر على هذا العمل الصالح ، وأنْ تستزيدَ منه ، كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى … } [ محمد : 17 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ … } .