Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 85-85)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفتنة : ليست مذمومة في ذاتها لأن الفتنة تعني الاختبار ، ونتيجته هي التي تُحمَد أو تُذمّ ، كما لو دخل التلميذ الامتحان فإنْ وُفِّق فهذا خير له ، وإنْ أخفق فهذا خير للناس ، كيف ؟ قالوا : لأن هناك أشياءَ إنْ تحققتْ مصلحة الفرد فيها انهدمتْ مصلحة الجماعة . فلو تمكَّن التلميذ المهمل الكَسُول من النجاح دون مذاكرة ودون مجهود ، فقد نال انتفاعاً شخصياً ، وإنْ كان انتفاعاً أحمق ، إلا أنه سيعطي الآخرين إشارة ، ويُوحِي لهم بعدم المسئولية ، ويفرز في المجتمع الإحباط والخمول ، وكفى بهذا خسارة للمجتمع . وقد جاءتْ الفتنة بهذا المعنى في قول الحق تبارك وتعالى : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . إذن : لا بد من الاختبار لكي يعطي كل إنسان حسب نتيجته ، فإن سأل سائل : وهل يختبر الله عباده ليعلَم حالهم ؟ نقول : بل ليعلم الناس حالهم ، وتتكشف حقائقهم فيعاملونهم على أساسها : هذا منافق ، وهذا مخلص ، وهذا كذاب ، فيمكنك أنْ تحتاط في معاملتهم . إذن : الاختبار لا ليعلم الله ، ولكن ليعلم خَلْق الله . أو : لأن الاختبار من الله لِقطْع الحجة على المختبر ، كأن يقول : لو أعطاني الله مالاً فسأفعل به كذا وكذا من وجوه الخير ، فإذا ما وُضِع في الاختبار الحقيقي وأُعطِى المال أمسك وبَخِل ، ولو تركه الله دون مال لَقال : لو عندي كنتُ فَعلت كذا وكذا . فهناك عِلْم واقع من الله ، أو علم من خَلْق الله لكل مَنْ يفتن ، فإنْ كان مُحْسِناً يقتدون به ، ويقبلون عليه ، ويحبونه ويستمعون إليه ، وإلاَّ انصرفوا عنه . فالاختبار - إذن - قَصْده المجتمع وسلامته . وقد سَمَّى الحق سبحانه ما حدث من بني إسرائيل في غياب موسى من عبادة العجل سماه فتنة ، ثم نسبها إلى نفسه { فَتَنَّا … } [ طه : 85 ] أي : اختبرنا . ثم يقول تعالى : { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } [ طه : 85 ] أضلهم : سلك بهم غير طريق الحق ، وسلوك غير طريق الحق قد يكون للذاتية المحضة ، فيحمل الإنسان فيها وِزْر نفسه فقط ، وقد تتعدَّى إلى الآخرين فيسلك بهم طريق الضلال ، فيحمل وزْره ووِزْر غيره مِمَّنْ أضلّهم . وفي هذه المسألة يقول تعالى : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ … } [ النحل : 25 ] . مع أن الله تعالى قال في آية أخرى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ … } [ فاطر : 18 ] . وهذه من المسائل التي توقَّف عندها بعض المستشرقين ، محاولين اتهام القرآن وأسلوبه بالتناقض ، وما ذلك منهم إلا لعدم فَهْمهم للغة القرآن واتخاذها صناعة لا مَلَكة ، ولو فَهِموا القرآن لَعَلِموا الفرق بين أن يضل الإنسان في ذاته ، وبين أن يتسبب في إضلال غيره . والسامري : اسمه موسى السامري ، ويُرْوَى أن أمه وضعته في صحراء لا حياة فيها ، ثم ماتت في نفاسها ، فظل الولد بدون أم ترعاه ، فكان جبريل عليه السلام يتعهده ويربِّيه إلى أن شبَّ . وقد عبَّر الشاعر عن هذه اللقطة وما فيها من مفارقات بين موسى عليه السلام وموسى السامري ، فقال : @ إِذَا لَمْ تُصَادِفْ فِي بَنِيكَ عِنَايةً فَقَدْ كذَبَ الرَّاجِي وَخَابَ المؤمِّل فَمُوسَى الذِي رَبَّاهُ جِبْريلُ كَافِر وَمُوسَى الذِي رَبَّاه فِرْعَوْنُ مُرْسَلُ @@ ثم يقول الحق سبحانه : { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ … } .