Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أخرج لهم من هذا الذهب المنصهر { عِجْلاً جَسَداً … } [ طه : 88 ] كلمة جسد وردتْ أيضاً في القرآن في قصة سليمان عليه السلام ، حيث قال تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } [ ص : 34 ] . وقد أعطى الله سليمان مُلْكاً عظيماً لا ينبغي لأحد من بعده ، فسخَّر له الطير والجنَّ والإنس والريح يأتمرون بأمره ، ويبدو أنه أخذه شيء من الزَّهْو أو الغرور ، فأراد الحق سبحانه أنْ يلفته إلى مانح هذا الملْك ويُذكِّره بأن هذا الملْك لا يقوم بذاته ، إنما بأمر الله القادر على أن يُقعِدك على كُرسيِّك جسداً ، لا حركة فيه ولا قدرة له حتى على جوارحه وذاته . كما ترى الرجل - والعياذ بالله - قد أصابه شلل كُليٌّ أقعده جسداً ، لا حركة فيه ، ولا إرادةَ على جوارحه ، فإذا لم تكن له إرادة على جارحة واحدة من جوارحه ، أفتكون له إرادة على الخارج عنه من طير أو إنس أو جن ؟ فلا تغتر بأنْ جعل الله لك إمْرة على كل الأجناس لأنه قادر أنْ يسلبكَ هذا كله . ويُروَى أن سليمان - عليه السلام - ركب بساط الريح يحمله إلى حيث يريد ، كما قال تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ … } [ سبأ : 12 ] فَداخلَه شيء من الفخر والزَّهْو ، فسمع من تحته مَنْ يقول : يا سليمان - هكذا دون ألقاب - أُمِرْنا أنْ نطيعك ما أطعتَ الله ، ثم رَدَّه حيث كان . لذلك استغفر سليمان - عليه السلام - وأناب . وكذلك نرى الإنسان ساعة أن يموتَ أولَ ما يُنسَى منه اسمه ، فيقولون : الجثة : الجثة هنا ، ماذا فعلتم بالجثة ، ثم تُنسَى هذه أيضاً بمجرد أن يُوضَع في نعشه فيقولون الخشبة : أين الخشبة الآن ، انتظروا الخشبة … سبحان الله بمجرد أنْ يأخذ الخالق - عز وجل - سِرَّه من العبد صار جثة ، وصار خشبة ، فما هذه الدنيا التي تكون نهايتها هكذا ؟ ففي قوله تعالى { عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ … } [ طه : 88 ] أي : لا حركة فيه ، فهو مجرد تمثال . صُنِع على هيئة معينة ، بحيث يستقبل الريح ، فيحدث فيه صفيراً يشبه الخوار أي : صوت البقر . لكن ، لماذا فكَّر السامري هذا التفكير ، واختار مسألة العجل هذه ؟ قالوا : لأن السامري استغلَّ تشوُّق بني إسرائيل ، وميلهم إلى الصَّنمية والوثنية ، وأنها متأصلة فيهم . ألم يقولوا لنبيهم عليه السلام وما زالت أقدامهم مُبتلة من البحر بعد أن أنجاهم الله من فرعون ، وكان جديراً بهم شكر الله ، فإذا بهم يقولون وقد أَتَوْا على قوم يعكفون على أصنام لهم : { يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ … } [ الأعراف : 138 ] . فجاءهم بهذا العجل ، وقد ترقَّى به من الصنمية ، فجعله جسداً ، وجعل له خواراً وصَوْتاً مسموعاً . ثم يقول تعالى : { فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } [ طه : 88 ] أي : نسي السامري خميرة الإيمان في نفسه ، ونسي أن هذا العمل خروجٌ عن الإيمان إلى الكفر ، ولَيْتَه يكفر في ذاته ، إنما هو يكفر ويُكفِّر الناس . لا بُدَّ أنه نسي ، فلو كان على ذُكْر من الإيمان ومن عاقبه عمله وخيبة ما أقدم عليه ما فعلَ . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ … } .