Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 87-87)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مادة " ملك " لها صور ثلاثة ، لكل منها معنى ، وليست بمعنى واحد كما يدَّعِي البعض ، فتأتي مَلْك بفتح الميم ، ومِلْك بكسرها ، ومُلْك بضم الميم ، وجميعها تفيد الحيازة والتملُّك ، إلا أن مَلْك تعني تملك الإنسان لنفسه وذاته وإرادته ، دون أنْ يملكَ شيئاً آخر مِمَّا حوله . ومِلْك : لتملك ما هو خارج عن ذاتك . ومُلْك : أنْ تملك شيئاً ، وتملك مَنْ ملكه . إذن : هذه الثلاثة ليستْ مترادفات بمعنى واحد . فقوله تعالى : { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا … } [ طه : 87 ] أي : بإرادتنا ، بل أمور أخرى خارجة عن إرادتنا حملتنا على إخلاف الوعد ، فما هذه الأمور الخارجة عن إرادتكم ؟ قالوا : { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ … } [ طه : 87 ] أَوْزَاراً جمع وِزْر ، وهو الشيء الثقيل على النفس ، ويطلق الوِزْر على الإثم لأنه ثقيل على النفس ثِقَلاً يتعدىَ إلى الآخرة أيضاً ، حيث لا ينتهي ألم الحمْل فيها لذلك يقول تعالى : { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } [ طه : 101 ] . وكانت هذه الأوزار من زينة القوم : أي : قوم فرعون . وقالوا إنهم كانوا في أعيادهم يستعيرون الحُليّ من جيرانهم ومعارفهم من قوم فرعون يتزيَّنون بها . فلماذا لم يردُّوا الأمانات هذه إلى أصحابها قبل أنْ يخرجُوا إلى الميقات الذي واعدهم عليه ؟ قالوا : لأنهم أرادوا أنْ يُسِرُّوا ساعة خروجهم حتى لا يستعد لهم أعداؤهم ، ويصدُّوهم عن الخروج فأعجلوا عن رَدِّها . وقال قوم : إن هذه الزينات والحليّ كانت مما قذف به البحر بعد أنْ غرق فرعون وقومه ، لكن هذا القول مردود لأنهم إنْ أخذوها بعد أنْ ألْقَى بها البحر فسوف تكون أسلاباً لا أوزاراً . ثم يقول تعالى : { فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } [ طه : 87 ] . إذا أُطلِقَتْ الزينة تنصرف عادةً إلى الذهب ، والقَذْف هو الرَّمْي بشدة ، وكأن الرامي يتأفَف أنْ يحمل المرميّ ، وفي ذلك دلالة على أن بني إسرائيل ما يزال عندهم خميرة إيمان ، فتألموا وحزنوا لأنهم لم يردُّوا الأمانات إلى أهلها . لذلك دخل عليهم السامري من هذه الناحية ، فأفهمهم : إنكم لن تبرأوا من هذه المعصية إلا أنْ ترمُوا بهذه الزينة في النار ، وهو يقصد شيئاً آخر ، هو أنْ ينصهر الذهب ، ويُخرِج ما فيه من الشوائب { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } [ طه : 87 ] أي : ألقى ما معه من الحُليّ ، لكن فَرْق بين القَذْف والإلقاء ، الإلقاء فيه لُطْف وتمهُّل ، فهو كبيرهم ومُعلِّمهم . ثم يقول الحق سبحانه : { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ … } .