Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الكلمة لا إله إلا هو هي قمة العقيدة ، وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " خير ما قلته أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله " . وما دام لا إله إلا الله ، فهو سبحانه المؤْتَمن عليك ، فليس هناك إله آخر يُعقِّب عليه ، فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة ، ويُغنيك عن كل غنى . " وحينما دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم مع أبي بكر - رضي الله عنه - لم يفهم من كلامهما شيئاً ، فقال : يا رسول الله أنا لا أُحسن دندنتك ولا دندنة أبي بكر ، أنا لا أعرف إلا : لا إله إلا الله محمد رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : " حَوْلَها ندندن يا أخا العرب " . فهي الأساس والمركز الذي يدور حوله الإسلام . وكلمة اللهُ عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له ، فهو الله الموجود ، الله القادر ، الله العالم ، الله الحيّ ، الله المحيي ، الله الضار . فكل هذه صفات له سبحانه ، لكن هذه الصفات لما بلغتْ حَدَّ الكمال فيه تعالى أصبحتْ كالاسم العَلَم ، بحيث إذا أُطلِق الخالق لا ينصرف إلا له ، والرازق لا ينصرف إلا له . وقد يشترك الخلْق مع الخالق في بعض الصفات ، كما في قوله تعالى : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ … } [ النساء : 8 ] . فالإنسان أيضاً يرزق ، لكن رزقه من باطن رزق الله ، فهو سبحانه الرازق الأعلى ، ومن بَحْره يغترف الجميع . وكما في قوله تعالى : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] وقال تعالى : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً … } [ العنكبوت : 17 ] . ومعنى ذلك أن هناك خالقين غيره سبحانه ، ومعنى الخَلْق : الإيجاد من عدم ، فالذي جاء بالرمل وصنع منه كوباً فهو خالق للكوب ، فأنت أوجدتَ شيئاً من عدم ، والله تعالى أوجد شيئاً من عدم ، ولكنك أوجدت من موجود الله قبل أن توجد أنتَ ، فهو - إذن - أحسن الخالقين في حين لم يضِنّ عليك ربك بأنْ ينصفك ويسميك خالقاً . وهذا يوجب عليك أنْ تنصفه سبحانه وتقول { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . وأيضاً ، فإن الله تعالى إذا احترم إيجادك لمعدوم فسمَّاك خالقاً له ، ولم يَضِنّ عليك فأعطاك صفة من صفاته إنما أخبرك أنه أحسن الخالقين لأنك تُوجِد معدوماً يظل على إيجادك ويجمد على هذه الحالة ، لكن الخالق - سبحانه وتعالى - يُوجِد معدوماً ويمنحه الحياة ، ويجعله يلتقي بمثله ويُنجب ، فهل يستطيع الإنسان الذي أوجد كوباً أن يجعل منه ذكراً وأنثى ينتجان لنا الأكواب ؟ ! وهل يكبر الكوب الصغير ، أو يتألم إنْ كُسِر مثلاً ؟ ! إذن : فالخالق سبحانه هو أحسن الخالقين ، وكذلك هو خير الرازقين ، وخَيْر الوارثين ، وخَيْر الماكرين . وقوله تعالى : { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ طه : 8 ] الحُسْنى : صيغة تفضيل للمؤنث مثل : كُبْرى ، تقابل " أحسن " للمذكر . إذن : فهناك أسماء حسنة هي أسماء الخَلْق ، أما أسماء الله فحسنى لأنها بلغتْ القمة في الكمال ، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه ، فحين تقول في أسماء الله تعالى الرازق فهي الصفة الحُسْنى لا الحسنة . لذلك لما أراد رجل يُدْعى سعد أن يشاور أباه في خطبة ابنته حسنى وقد تقدم لها رجلان : حسن وأحسن . فقال له أبوه فحسنى يا سعد للأحسن . وقال تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ … } [ يونس : 26 ] فلم يقل : حسنة ، لأنهم أحسنوا فاستحقوا الحُسْنى بل وزيادة . وأسماء الله تعالى هي في الحقيقة صفات ، إلا أنها لما أُطلِقت على الحق - تبارك وتعالى - أصبحتْ أسماء . ولَكَ أنْ تُسمِّى فتاة زنجية قمر وتسمى قِزْماً الطويل لأن الاسم إذا أُطلِق عَلَماً على الغير انحلَّ عن معناه الأصلي ولزم العَلَمية فقط ، لكن أسماء الله بقيتْ على معناها الأصلي حتى بعد أنْ أصبحتْ عَلَماً على الله تعالى ، فهي - إذن - أسماء حُسْنى . وبعد أن تكلَّم الحق - تبارك وتعالى - عن الرسول الخاتم صاحب المنهج الخاتم - فليس بعده نبي وليس بعد منهجه منهج - أراد سبحانه أنْ يُسلّيه تسليةً تُبيّن مركزه في موكب الرسالات ، وأنْ يعطيه نموذجاً لمن سبقوه من الرسل ، وكيف أن كل رسول تعب على قَدْر رسالته ، فإنْ كانت الرسالات السابقة محدودة الزمان محدودة المكان ، ومع ذلك تعب أصحابها في سبيلها ، فما بالك برسول جاء لكل الزمان ولكل المكان ؟ لا بُدَّ أنه سيواجه من المتاعب مثل هؤلاء جميعاً . إذن : فوطِّن نفسك يا محمد على أنك ستلْقَى من المتاعب والصعاب ما يناسب عظمتك في الرسالة وخاتميتك للأنبياء ، وامتداد رسالتك في الزمان إلى أنْ تقومَ الساعة ، وفي المكان إلى ما اتسعتْ الأرض . لذلك اختار الحق - تبارك وتعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم نبياً من أُولي العزم لأنه جاء لبني إسرائيل وجاء لفرعون ، وقد كان بنو إسرائيل قوماً ماديين ، أما فرعون فقد ادَّعى الألوهية ، اختار موسى - عليه السلام - ليقصّ على رسول الله قصته ويُسلِّيه فيما يواجهه من متاعب الدعوة ، كما قال تعالى : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ هود : 120 ] . وقال تعالى : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ … } [ الأحقاف : 9 ] . فأنت يا محمد كغيرك من الرسل ، وقد وجدوا من المشقة على قَدْر رسالاتهم ، وسوف تجد أنت أيضاً من المشقة على قَدْر رسالتك . ونضرب لذلك مثلاً بالتلميذ الذي يكتفي بالإعدادية وآخر بالثانوية أو الجامعة ، وآخر يسعى للدكتوراة ، فلا شَكَّ أن كلاّ منهم يبذل من الجهد على قَدْر مهمته . لذلك يقول تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ … } .