Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 102-102)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حسيس النار : أزيزها ، وما ينبعث منها من أصوات أول ما تشتعل { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } [ الأنبياء : 102 ] فلم يقُلْ مثلاً : وهم بما اشتهتْ أنفسهم ، إنما { فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ … } [ الأنبياء : 102 ] كأنهم غارقون في النعيم مِمَّا اشتهتْ أنفسهم ، كأن شهوات أنفسهم ظرف يحتويهم ويشملهم . وهذا يُشوِّق أهل الخير والصلاح للجنة ونعيمها ، حتى نعمل لها ، ونُعِد العُدَّة لهذا النعيم . وسبق أن قلنا : إن الإنسان يتعب في أول حياته ، ويتعلم صنعة ، أو يأخذ شهادة لينتفع بها فيما بعد ويرتاح في مستقبل حياته ، وعلى قَدْر تعبك ومجهودك تكون راحتك ، فكل ثمرة لا بُدَّ لها من حَرْث ومجهود ، والله عز وجل لا يُضيع أجرَ مَنْ أحسن عملاً . وكنا نرى بعض الفلاحين يقضي يومه في حقله ، مهملَ الثياب ، رثَّ الهيئة ، لا يشغله إلا العمل في زرعه ، وآخر تراه مُهنْدماً نظيفاً يجلس على المقهى سعيداً بهذه الراحة ، وربما يتندر على صاحبه الذي يُشقِى نفسه في العمل ، حتى إذا ما جاء وقت الحصاد وجد العامل ثمرة تعبه ، ولم يجد الكسول غير الحسرة والندم . إذن : ربك - عز وجل - أعطاك الطاقة والجوارح ، ويريد منك الحركة ، وفي الحركة بركة ، فلو أن الفلاح جلس يُقلِّب في أرضه ويُثير تربتها دون أنْ يزرعها لَعوَّضه الله وأثمر تعبه ، ولو أن يجد شيئاً في الأرض ينتفع به مثل خاتم ذهب أو غيره . وترف الإنسان وراحته بحسب تَعبه في بداية حياته ، فالذي يتعب ويعرق مثلاً عَشْر سنين يرتاح طوال عمره ، فإنْ تعب عشرين سنة يرتاح ويرتاح أولاده من بعده ، وإنْ تعِب ثلاثين سنة يرتاح أحفاده وهكذا . وترَف المتعلم يكون بحسب شهادته : فهذا شهادة متوسطة ، وهذا عُلْيا ، وهذا أخذ الدكتوراة ، ليكون له مركز ومكانة في مجتمعه . لكن مهما أعدَّ الإنسان لنفسه من نعيم الحياة وترفها فإنه نعيم بقَدْر إمكانياته وطاقاته لذلك ذكرنا أننا حين سافرنا إلى سان فرانسيسكو رأينا أحد الفنادق الفخمة وقالوا : إن الملك فيصل - رحمه الله - كان ينزل فيه ، فأردنا أنْ نتجوّل فيه ، وفعلاً أخذنا بما فيه من مظاهر الترف والأُبهة وروعة الهندسة ، وكان معي ناس من عِلْية القوم فقلتُ لهم : هذا ما أعدّه العباد للعباد ، فما بالكم بما أعدَّه رب العباد للعباد ؟ فإذا ما رأيتَ أهل النعيم والترف في الدنيا فلا تحقد عليهم لأن نعيمهم يُذكِّرك ويُشوِّقك لنعيم الآخرة . ثم يقول الحق سبحانه : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ … } .