Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 104-104)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : ما يحدث من عذاب الكفار وتنعيم المؤمنين سيكون { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ … } [ الأنبياء : 104 ] و يَوْمَ : زمن وظَرْف للأحداث ، فكأن ما يحدث للكافرين من العذاب والتنكيل ، وما يحدث للمؤمنين من الخلود في النعيم يتم في هذا اليوم . والسجل : هو القرطاس ، والورق الذي نكتب فيه يُسمَّى سجلاً ولذلك الناس يقولون : نسجل كذا ، أي : نكتبه في ورقة حتى يكون محفوظاً ، والكتاب : هو المكتوب . والحق سبحانه يقول في آية أخرى : { وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ … } [ الزمر : 67 ] يطويها بقدرته لأن اليمين عندنا هي الفاعلة في الأشياء ، ولكن لا نأخذ الطي أنه الطي المعروف ، بل نأخذه في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] . وقوله تعالى : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ … } [ الأنبياء : 104 ] يدلنا على أن الحق سبحانه يتكلم عن الخَلْق الأول و { نُّعِيدُهُ … } [ الأنبياء : 104 ] تدل على وجود خَلْق ثَان . إذن : فقوله تعالى في موضع آخر : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] دليل على أن الخَلْق الأول خَلْق فيه الأسباب وفيه المسبّب ، فالحق سبحانه أعطاك في الدنيا مُقوِّمات الحياة من : الشمس والقمر والمطر والأرض والماء … الخ ، وهذه أمور لا دَخْل لك فيها ، وكل ما عليك أنْ تستخدمَ عقلك الذي خلقه الله في الترقي بهذه الأشياء والترف بها . أما في الخلق الثاني فأنت فقط تستقبل النعيم من الله دون أَخْذ بالأسباب التي تعرفها في الدنيا لأن الآخرة لا تقوم بالأسباب إنما بالمسبِّب سبحانه ، وحين ترى في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر تعلم أن فِعْل ربك لك أعظم من فِعْلك لنفسك . ومهما ارتقتْ أسباب الترف في الدنيا ، ومهما تفنَّن الخَلْق في أسباب الراحة والخدمة الراقية ، فقصارى ما عندهم أن تضغط على زِرٍّ يفتح لك الباب ، أو يُحضِر لك الطعام أو القهوة ، لكن أتحدَّى العالم بما لدية من تقدُّم وتكنولوجيا أنْ يُقدم لي ما يخطر ببالي من طعام أو شراب ، فأراه أمامي دون أنْ أتكلم لأن هذه مسألة لا يقدر عليها إلا الله عز وجل . فقوله : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ … } [ الأنبياء : 103 ] فالمعنى ليستْ مجرد إعادته كما كان ، إنما نعيده على أَرْقى وأفضل مما كان بحيث يصل بك النعيم أنْ يخطرَ الشيء ببالك فتجده بين يديك ، بل إنَّ المؤمن في الجنة يتناول الصنف من الفاكهة فيقول : لقد أكلْتُ مثل هذا من قبل فيُقال له : ليس كذلك بل هو أفضل مما أكلْتَ ، وأهنأ مما تذوقتَ . فلو تناولتَ مثلاً تفاح الدنيا تراه خاضعاً لنوعية التُّرْبة والماء والجو المحيط به والمبيدات التي لا يستغني عنها الزرع هذه الأيام … إلخ . أمّا تفاح الآخرة فهو شيء آخر تماماً ، إنه صَنْعة ربانية وإعداد إلهيّ . وكأن الحق سبحانه يلفت عباده إلى أن عنايته بهم أفضل من عنايتهم بأنفسهم لأنه سبحانه أوْلَى بنا من أنفسنا ، ولكي نعلم الفرق بين الشيء في أيدينا والشيء في يده عز وجل . ثم يقول تعالى : { وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 104 ] أي : لا يُخرِجنا شيء عمَّا وعدنا به ، ولا يخالفنا أحد . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ … } .