Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 105-105)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والكَتْب : التسجيل ، لكن علم الله أزليٌّ لا يحتاج إلى تسجيل ، إنما التسجيل من أجلنا نحن حتى نطمئن ، كما لو أخذتَ من صاحبك قَرْضاً وبينكما ثقة ، ويأمن بعضكم بعضاً ، لكن مع هذا نكتب القَرْض ونُسجِّله حتى تطمئن النفس . ومعنى : { كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ … } [ الأنبياء : 105 ] الزبور : الكتاب الذي أُنزِل على نبي الله داود ، ومعنى الزبور : الشيء المكتوب ، فإنْ أطلقتَها على عمومها تُطلَق على كل كتاب أنزله الله ، ومعنى : { مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ … } [ الأنبياء : 105 ] الذِكْر : يُطلَق مرة على القرآن ، ومرة على الكتب السابقة . وما دام الزَبور يُطلَق على كل كتاب أنزله الله فلا بُدَّ أن للذكر معنى أوسع لذلك يُطلَق الذكر على اللوح المحفوظ ، لأنه ذكْر الذكْر ، وفيه كل شيء . فمعنى : { كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ … } [ الأنبياء : 105 ] أي : في الكتب التي أُنزلَتْ على الأنبياء ما كتبناه في اللوح المحفوظ ، أو ما كتبناه في الزبور ، لا أنّ سيدنا داود أعطاه الله فوق ما أعطى الآخرين . ومعنى : { مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ … } [ الأنبياء : 105 ] هذه تدل على أن واحداً أسبق من الآخر ، نقول : القرآن هو كلام الله القديم ، ليس في الكتب السماوية أقدم منه ، والمراد هنا { مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ … } [ الأنبياء : 105 ] بعدية ذِكْرية ، لا بعدية زمنية . فما الذي كتبه الله لداود في الزبور ؟ كتب له { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] كلمة الأرض إذا أُطلقَتْ عموماً يُراد بها الكرة الأرضية كلها . وقد تُقيَّد بوصف معين . كما في : { الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ … } [ المائدة : 21 ] . وفي : { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ … } [ يوسف : 80 ] أي : التي كان بها . وهنا يقول تعالى : { أَنَّ ٱلأَرْضَ … } [ الأنبياء : 105 ] أي : الأرض عموماً { يَرِثُهَا … } [ الأنبياء : 105 ] أي : تكون حقاً رسمياً لعبادي الصالحين . فأيُّ أرض هذه ؟ أهي الأرض التي نحن عليها الآن ؟ أم الأرض المبدلة ؟ ما دُمْنَا نتكلّم عن بَدْء الخَلْق وإعادته ، فيكون المراد الأرض المبدلَة المعادة في الآخرة ، والتي يرثها عباد الله الصالحون ، والإرْث هنا كما في قوله تعالى : { تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 43 ] . فعن مَنْ ورثوا هذه الأرض ؟ الحق سبحانه وتعالى حينما خلق الخَلْق أعدَّ الجنة لِتسعَ كلَّ بني آدم إنْ آمنوا ، وأعدَّ النار لتسع كُلَّ بني آدم إنْ كفروا ، فليس في المسألة زحام على أيِّ حال . فإذا ما دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ، ودخل أهلُ النارِ النارَ ظلَّتْ أماكن أهل النار في الجنة خالية فيُورثها الله لأهل الجنة ويُقسِّمها بينهم ، ويُفسح لهم أماكنهم التي حُرِم منها أهل الكفر . أو نقول : الأرض يُراد بها أرض الدنيا . ويكون المعنى أن الله يُمكِّن الصالح من الأرض ، الصالح الذي يَعْمُرها ولو كان كافراً لأن الله تعالى لا يحرم الإنسان ثمار عمله ، حتى وإنْ كان كافراً ، يقول تعالى { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . لكن عمارة الكفار للأرض وتكوينهم للحضارة سَرْعان ما تنزل بهم النكبات ، وتنقلب عليهم حضارتهم ، وها نحن نرى نكبات الأمم المرتقية والمتقدمة وما تعانيه من أمراض اجتماعية مستعصية ، فليست عمارة الأرض اقتصاداً وطعاماً وشراباً وترفاً . ففي السويد - مثلاً - وهي من أعلى دول العالم دَخْلاً ومع ذلك بها أعلى نسبة انتحار ، وأعلى نسبة شذوذ ، وهذه هي المعيشة الضَّنْك التي تحدَّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } [ طه : 124 ] . فالضَّنْك لا يعني فقط الفقر والحاجة ، إنما له صور أخرى كثيرة . إذن : لا تَقِسْ مستوى التحضُّر بالماديات فحسب ، إنما خُذْ في حُسبانك كُلَّ النواحي الأخرى ، فمَنْ أتقن النواحي المادية الدنيوية أخذها وترف بها في الدنيا ، أمّا الصلاح الديني والخُلقي والقِيَمي فهو سبيل لترف الدنيا ونعيم الآخرة . وهكذا تشمل الآية : { يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] الصلاح المادي الدنيوي ، والصلاح المعنوي الأخروي ، فإنْ أخذتَ الصلاح مُطلقاً بلا إيمان ، فإنك ستجد ثمرته إلى حين ، ثم ينقلب عليك ، فأين أصحاب الحضارات القديمة من عاد وثمود والفراعنة ؟ إن كُلَّ هذه الحضارات مع ما وصلتْ إليه ما أمكنها أن تحتفظ لنفسها بالدوام ، فزالتْ وبادتْ . يقول تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 6 - 10 ] . إنها حضارات راقية دُفِنَتْ تحت أطباق التراب ، لا نعرف حتى أماكنها . أمّا إنْ أخذت الصلاح المعنوي ، الصلاح المنهجي من الله عز وجل فسوف تحوز به الدنيا والآخرة ذلك لأن حركة الحياة تحتاج إلى منهج يُنظِّمها : افعل كذا ولا تفعل كذا . وهذا لا يقوم به البشر أمّا ربُّ البشر فهو الذي يعلم ما يُصلحهم ويُشرِّع لهم ما يُسعدهم . إن منهج الله وحده هو الذي يأمرنا وينهانا ، ويخبرنا بالحلال والحرام ، وعلينا نحن التنفيذ ، وعلى الحكام وأولياء الأمر الممسكين بميزان العدل أنْ يراقبوا مسألة التنفيذ هذه ، فيُولُّوا مَنْ يصلُح للمهمة ، ويقوم بها على أكمل وجه ، وإلا فسد حال المجتمع ، الحاكم يُشرف ويُراقِب ، يُشجِّع العامل ويُعاقب الخامل ، ويضع الرجل المناسب في مكانه المناسب . فعناصر الصلاح في المجتمع : علماء يُخططون ، وحكام يُنفّذون ، ويديرون الأمور ، وكلمة حاكم مأخوذة من الحكَمة بالفتح وهي : اللجام الذي يكبح الفَرس ويُوجِّهها . لذلك جاء في الحديث الشريف : " مَنْ ولَّى أحداً على جماعة ، وفي الناس خير منه لا يشم رائحة الجنة " . لماذا ؟ لأن ذلك يُشيع الفساد في الأرض ، ويُثبِّط العزائم العالية والهمم القوية حين ترى مَنْ هو أقلّ منك كفاءة يتولّى الأمر ، وتُستبعد أنت . أما حين تعتد كِفَة الميزان فسوف يجتهد كُلٌّ مِنّا ليصل إلى مكانه المناسب . إذن : مهمة الحكام وولاة الأمر ترقية المجتمع ، فلا نقول لحاكم مثلاً يُعِدُّ لنا طعاماً ، أو يصنع لنا آلة ، فليستْ هذه مهمته ، ولقد رأينا أحد الأمراء وكان له أرض يزرعها ، يتولاها أحد الموظفين يقولون له الخُولي ومهمة الخولي الإشراف والمراقبة . وفي يوم جاء الأمير ليباشر أرضه ويتفقد أحوالها في صُحْبة الخولي ، وفي أثناء جولتهما بالأرض رأى الخولي قناةً ينسابُ منها الماء حتى أغرق الزرع فنزل وسَدَّ القناة بنفسه . وعندها غضب الأمير وفصله من عمله لأنه عمل بيده في حين أن مهمته الإشراف ولديه من العمال مَنْ يقوم بمثل هذا العمل . لكن لماذا هذه النظرة في إدارة الأعمال ؟ قالوا : لإنك إنْ عملتَ بيدك فأنت واحد ، لكن إنْ أشرفتَ فيمكن أنْ تُشرِف على آلاف من العمال . ومن هنا جاءت مسألة التخصُّص في الأعمال . وعلى الحاكم ووليّ الأمر أنْ يحافظ على منهج الله ، ويتابع تطبيق الناس له ، فيقف أمام أي فساد ، ويأخذ على يد صاحبه ، ويثيب المجتهد العامل ، كما جاءَ في قوله تعالى في قصة القرنين : { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } [ الكهف : 87 - 88 ] . ذلك ، لأن الله تعالى يزَعُ بالسلطان مَا لا يزع بالقرآن ، ولو تركنا أهل الفساد والمنحرفين لجزاء القيامة لفسد المجتمع ، لا بُدَّ من قوة تصون صلاح المجتمع ، وتضرب على أيدي المفسدين ، لا بُدَّ من قوة تمنع مَنْ يتجرؤون علينا ويطالبون بتغيير نظامنا الإسلامي . لذلك يقول تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ … } [ الأنفال : 60 ] لا بُدَّ أن يعلم العدو أن لديك الرادعَ الذي يَردعه إنِ اعتدى عليك أو حاول إفساد صلاح المجتمع . لذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث إن السهم الذي يُرمى في سبيل الله ، لكل مَنْ شارك في إعداده ورمية جزء من الثواب ، فالذي قطعه من الشجرة والذي براه ، والذي وضعه في القوس ورمى به لأن في ذلك صيانةً للحق وصيانة للصلاح حتى يدوم ، ولا يفسده أحد . والمسئولية هنا لا تقتصر على الحكام وولاة الأمر ، إنما هي مسئولية كل فرد فيمن ولي أمراً من أمور المسلمين ، كما جاء في الحديث : " كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته : فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بَعْلها وولده وهي مسئولة عنهم ، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته " . وعلى العامل ألاّ ينظرَ إلى مراقبة صاحب العمل ، وليكُنْ هو رقيباً على نفسه ، والله عز وجل يراقب الجميع ، وقد جاء في الحديث القدسي " " إن كنتم تعتقدون أَنِّي لا أراكم فالخَلل في إيمانكم ، وإنْ كنتم تعتقدون أَنِّي أراكم فَلِمَ جعلتموني أهونَ الناظرين إليكم ؟ " . والمتأمل في حركة الحياة يجدها متداخلة ، فمثلاً لو أردتَ بناء بيت ، فالهندسة حركة ، والبناء حركة ، والكهرباء حركة ، والنجارة حركة ، وهكذا … ، فلو قلنا : إن هذا العمل يتكون من مائة حركة مثلاً ، فإنك لا تملك منها إلا حركة واحدة هي عملك الذي تتقنه ، والباقي حركات لغيرك ، فإنْ أخلصتَ فيما للناس عندك ألهمهم الله أنْ يخلصوا لك ولو عن غير قصد ، فأنت أخلصتَ وأتقنتَ حركة واحدة ، وأخلص الناس لك في تسع وتسعين حركة . واعلم أن الخواطر والأفكار بيد الله سبحانه ، فإنْ راقبتَ الله فيما للناس عندك راقبهم الله لك فيما لك عندهم ، وكفاك مُؤْنة المراقبة ، فقد يصنع لك الصانع شيئاً ، ويريد أنْ يغشَّك فيه فيحول الله بينه وبين هذا ربما يجلس معه أحد معارفه فيستحي أن يغش أمامه ، أو لا يجد الشيء الذي يغشك به ، أو غير ذلك من الأسباب التي يُسخِّرها الله لك ، فيتقن لك الصانع صَنْعته ، ولو رَغْماً عن إرادته . إذن : إن أردتَ صلاحَ أمرك فأصلح أمور الآخرين . ومن الأساسيات التي نُصلح بها ونرث الأرض أن ننظر إلى الناس جميعاً على أنهم سواسية ، لا فضلَ لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ، فليس فينا مَنْ هو ابن لله عز وجل ، وليس منا مَنْ بينه وبين الله قرابة ، قال تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ … } [ الحجرات : 13 ] . والإسلام لا يعرف الطبقية إلا في إتقان العمل ، فقيمة كل امرىء ما يُحسِنه ، وقد ضربنا لذلك مثلاً ، وما نزال نذكره مع أنه لرجل غير مسلم ، إنه رجل فرنسي كان نقيباً للعمال ، وكان يدافع عن حقوقهم ، ويطلب لهم زيادة الدَّخْل من ميزانية الوزارة ، فلما تولى منصب الوزارة وتولى المسئولية عدلَ عَمَّا كان يطالب به ، فضجَّ العمال ، وأراد أحدهم أنْ يغيظه فقال له : اذكر يا معالي الوزير أنك كنت في يوم من الأيام ماسح أحذية ، فما كان من الرجل إلا أن قال : نعم … لكني كنت أجيدها . وسبق أن ذكرنا أن الله تعالى وزَّعَ المواهب والقدرات بين خَلْقه ، فساعة ترى نفسك مُميزاً على غيرك في شيء فلا تغتر به ، وابحثْ فيما مُيّز به عنك غيرُك لأننا جميعاً عند الله سواء ، لا يحابي منا أحداً على أحد ، فأنت مُميز بعلمك أو قوتك ، وغيرك أيضاً مُميز في سعادته مع أهله أو في أمانته وثقة الناس به ، أو في رضاه بما قسم له أو في مقدرته على نفسه ورضاه بالقليل ، وقد يُميَّز الواحد مِنَّا بالولد الصالح الذي يكون مِطْواعاً لأبيه ، وقُرة عَيْن له . إذن : هذه مسألة مُقدّرة محسوبة لأن ربك سبحانه قيُّوم عليك ، لا تخفى عليه منك خافية ، وحين يُميّز بعضنا على بعض إنما ليدكّ فينا الغرور والكبرياء ، وينزع من قلوبنا الحِقْد والغلَّ ، وهكذا يتوازن المجتمع ، ولا يكون التميز مثار حقدٍ لأن تميزَ غيرك لصالحك ، وسيعود عليك . والحق - سبحانه وتعالى - يُحدِّثنا عن يوم القيامة ، وكيف أن الشمس ستدنو من الرؤوس ، ويشتدّ بالناس الكرب ، إلا هؤلاء الذين يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظل إلا ظله ، ذلك لأنهم كانوا مظلة أمان في الدنيا ، فأظلهم الله في الآخرة . كما جاء في الحديث الشريف : " سبعة يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه مُعلَّق في المساجد ، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " . نعم ، لقد صنع هؤلاء بسلوكهم القويم مظلَّة أمانٍ في الكون ، فاستحقوا مظلَّة الله في الآخرة . وبمثل هؤلاء يتوازن المجتمع المسلم ويَرْقَى إلى القمة ، هذا المجتمع الذي نريده هو مجتمع غنيّه متواضع ، وفقيره كريم شريف ، وشابُّه طائع . يقول رب العزة سبحانه في الحديث القدسي : " " أحب ثلاثة وحُبِّي لثلاثة أشدُّ - فهؤلاء ستة نقسمهم إلى قسمين - أحب الفقير المتواضع ، وحُبِّي للغني المتواضع أشد - لأن عنده أسبابَ الكبر ومع ذلك يتواضع - وأحب الغنيِّ الكريم وحُبِّي للفقير الكريم أشدّ ، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشدُّ " . " وأكره ثلاثة وكُرْهي لثلاثة أشد : أكره الغني المتكبر ، وكُرْهي للفقير المتكبر أشدّ ، وأكره الفقير البخيل ، وكُرْهي للغني البخيل أشد ، وأكره الشاب العاصي وكرهي للشيخ العاصي أشد " . هؤلاء اثنا عشر نوعاً : ستة في المحبوبية ، وستة في المكروهية ، وكلما التزمنا بتطبيق هذا المنهج وجدنا مجتمعاً راقياً من الدرجة الأولى .