Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 13-13)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق - سبحانه وتعالى - في قصة هؤلاء المكذِّبين قدَّم الغاية من العذاب ، فقال : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ … } [ الأنبياء : 11 ] ثم فصَّل القَصمْ بأنهم لما أحسُّوا العذاب تركوا قريتهم ، وأسرعوا هاربين أنْ يلحقهم العذاب ، وهنا يقول لهم : لا تركضوا وعودوا إلى مساكنكم ، وإلى ما أُترِفْتم فيه . والتَّرفُ : هو التنعُّم نقول : ترف الرجل يترف مثل : فرح يفرَح أي : تنعَّم ، فإذا زِيدتْ عليها همزة فقيل : أترف الرجل فمعناها : أخذ نعيماً وأبطره . ومنها أيضاً : أترفَهُ الله يعني : غرَّه بالنعيم ليكون عقاباً له . فقوله هنا { إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ … } [ الأنبياء : 13 ] من أترفه الله يعني : أعطاهم نعيماً لا يؤدون حقَّه ، فيجرّ عليهم العذاب . لكن ما دام أن الله تعالى يريد بهم العذاب ، فلماذا يُنعِّمهم ؟ قالوا : فَرْق بين عذاب واحد وعذابين : العذاب أن تُوقع على إنسان شيئاً يؤلمه ، أما أن تُنعِّمه وترفعه ثم تعذبه ، فقد أوقعتَ به عذاباً فوق عذاب . وقد مثَّلْنا لذلك بأن إنْ أردت أَنْ تُوقِع عدوك لا توقعه من فوق حصيرة مثلاً ، إنما ترفعه إلى أعلى ليكون أشدَّ عليه وآلمَ له . ومن ذلك قَوْلُ القرآن { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ … } [ الأنعام : 44 ] أعطيناهم الصحة والمال والجاه والأرض والدُّور والقصور { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] وهكذا يكون أَخذْه أليماً شديداً ، فعلى قَدْر ما رفعهم الله على قَدْر ما يكون عذابهم . ومَلْمَح آخر في قوله تعالى : { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ … } [ الأنعام : 44 ] لا لهم كما في : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [ الفتح : 1 ] فليس هذا كله في صالحهم ، بل هو وَبَال عليهم ، فلا تغترُّوا بها ، فقد أعطاها الله لهم ، وهم سيَبَطْرون بها ، فتكون سببَ عذابهم . وقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 13 ] أي : عودوا إلى مساكنكم وقصوركم وما كنتم فيه من النعيم ، لعل أحداً يمرُّ بكم فيسألكم : أين ما كنتم فيه من النعيم ؟ أين ذهب ؟ لكن ما هم فيه الآن من الخزي سيُخرس ألسنتهم ، ولن يقولوا شيئاً مما حدث ، إنما سيكون قولهم وسلوكهم : { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ … } .