Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبق أن أخبر الحق سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما ، وهذا ظَرْف ، فما المظروف فيه ؟ المظروف فيه هم الخَلْق ، وهم أيضاً لله : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأنبياء : 19 ] وإنْ كان من الخَلْق مَنْ ميَّزه الله بالاختيار يؤمن أو يكفر ، يطيع أو يعصي ، فإنْ كان مختاراً في أمور التكليف فهو مقهور في الأمور الكونية لا دَخْلَ له فيها . فليس للإنسان تحكم في ميلاده أو وفاته ، ولا تحكم له في صحته وعافيته أو مرضه أو ذكائه أو طوله أو قصره ، إذن : فهو مِلْك لله ، مقهور له ، إلا أنه سبحانه ترك زاوية اختيار تكليفية . أما السماء والأرض فهي مُسخَّرة مقهورة : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا … } [ الأحزاب : 72 ] . فاختارت التسخير على الاختيار الذي لا طاقة لها به . أما الإنسان فقد دعاه عقله إلى حملها وفضَّل الاختيار ، ورأى أنه سيُوجه هذه الأمانة التوجيه السليم { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] . فوصفه رَبُّه بأنه كان في هذا العمل ظلوماً جهولاً لأنه لا يدري عاقبة هذا التحمل . فإنْ قلتَ : فما ميزة طاعة السماوات والأرض وهي مضطرة ؟ نقول : هي مضطرة باختيارها ، فقد خيَّرها الله فاختارت الاضطرار . وقوله : { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ … } [ الأنبياء : 19 ] أي ليسوا أمثالكم يكذبون ويكفرون ، بل هم في عبادة دائمة لا تنقطع ، والمراد هنا الملائكة لأنهم { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] . { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } [ الأنبياء : 19 ] من حسر : يعني ضَعُفَ وكَلّ وتعب وأصابه الملل والإعياء . ومنه قوله تعالى : { ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } [ الملك : 4 ] أي : كليل ضعيف ، لا يَقْوى على مواجهة الضوء الشديد كما لو واجهت بعينيك ضوءَ الشمس أو ضوء سيارة مباشر ، فإنه يمنعك من الرؤية لأن الضوء الأصل فيه أن نرى به ما لا نراه . وفي آية أخرى يقول تعالى : { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ … } [ النساء : 172 ] لأن عِزَّهم في هذه المسألة .