Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 22-22)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فمَع انصرافكم عن الإله الحق الذي له مُلْك السماء والأرض ، وله تُسبِّح جميع المخلوقات ، لا يوجد إله آخر { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا … } [ الأنبياء : 22 ] أي : ما زال الكلام مرتبطاً بالسماء والأرض { لَفَسَدَتَا … } [ الأنبياء : 22 ] السماء والأرض ، وهما ظرفان لكلِّ شيء من خَلْق الله . ومعنى { إِلاَّ ٱللَّهُ … } [ الأنبياء : 22 ] إلا : أداة استثناء تُخرِج ما بعدها عن حكم ما قبلها كما لو قلتَ : جاء القوم إلا محمد ، فقد أخرجتَ محمداً عن حكم القوم وهو المجيء ، فلو أخذنا الآية على هذا المعنى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا … } [ الأنبياء : 22 ] يعني : لو كان هناك آلهة ، الله خارج عنها لفسدت السماوات والأرض . إذن : ما الحال لو قلنا : لو كان هناك آلهة والله معهم ؟ معنى ذلك أنها لا تفسد . فإلا إنْ حققت وجود الله ، فلم تمنع الشَّركة مع الله ، وليس هذا مقصود الآية ، فالآية تقرر أنه لا إله غيره . إذن : إلا هنا ليست أداةَ استثناء . إنما هي اسم بمعنى غير كما جاء في قوله تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ … } [ هود : 36 ] . فالمعنى : لو كان فيهما آلهة موصوفة بأنها غير الله لَفسدتَا ، فامتنع أن يكون هناك شريك . وهناك آية أخرى : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . الحق - سبحانه وتعالى - يعطينا القسمة العقلية في القرآن : فلنفرض جدلاً أن هناك آلهة أخرى : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً … } [ الإسراء : 42 ] أي : لو حدث هذا { لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . السبيل : الطريق ، أي طلبوا طريقاً إلى ذي العرش أي : إلى الله ، لماذا ؟ إما ليجادلوه ويصاولوه ، كيف أنه أخذ الألوهية من خلف ظهورهم ، وإمّا ليتقربوا إليه ويأخذوا ألوهية من باطنه ، وقوة في ظل قوته ، كما أعطى الله تعالى قوة فاعلة للنار مثلاً من باطن قوته تعالى ، فالنار لا تعمل من نفسها ، ولكن الفاعل الحقيقي هو الذي خلق النار ، بدليل أنه لو أراد سبحانه لَسلَبها هذه القدرة ، كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى : { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] . وقوله : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ المؤمنون : 91 ] وهذه الآية الكريمة وأمثالها تثبت أنه سبحانه موجود وواحد . أما على اعتبار أن إلا استثناء فهي تثبت أنه موجود ، إنما معه شريك ، وليس واحداً . فهي - إذن - اسم بمعنى غير ، ولما كانت مبنية بناء الحروف ظهر إعرابها على ما بعدها لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ فيكون إعراب غيرُ إعرابَ إلا الذي ظهر على لفظ الجلالة اللهُ . لكن ، لماذا تفسد السماء والأرض إنْ كان فيهما آلهة غير الله ؟ قالوا : لأنك في هذه المسألة أمام أمرين : إما أن تكون هذه الآلهة مستوية في صفات الكمال ، أو واحد له صفات الكمال والآخر له صفة نقص . فإنْ كان لهم صفات الكمال ، اتفقوا على خَلْق الأشياء أم اختلفوا ؟ إنْ كانوا متفقين على خَلْق شيء ، فهذا تكرار لا مُبرِّر له ، فواحد سيخلق ، والآخر لا عملَ له ، ولا يجتمع مؤثران على أثر واحد . فإن اختلفوا على الخَلْق : يقول أحدهم : هذه لي . ويقول الآخر : هذه لي ، فقد علا بعضهم على بعض . أما إنْ كان لأحدهم صفة الكمال ، وللآخر صفة النقص ، فصاحب النقص لا يصحّ أن يكونَ إلهاً . وهكذا الحق - سبحانه وتعالى - يُصرِّف لنا الأمثال ويُوضِّحها ليجلي هذه الحقيقة بالعقل وبالنقل : لا إله إلا الله ، واتخاذ آلهة معه سبحانه أمر باطل . كذلك يردُّ على الذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل مَنْ قالوا : العزيرُ ابن الله ومَنْ قالوا : المسيح ابن الله . ومَن اتخذوا الملائكة آلهة من دون الله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ … } [ الإسراء : 57 ] . إن هؤلاء الذين تدعُونهم مع الله يطلبون إليه وسيلة ، ويتقرّبون إليه سبحانه ، وينظرون أيّهم أقرب إلى الله من الآخر ، فكيف يكونون آلهة ؟ ثم يقول تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ … } [ الأنبياء : 22 ] أي : تنزيهاً لله عَمَّا قال هؤلاء { عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنبياء : 22 ] أي : يُلحِدون ويكذبون ويفترون . والعرش : هو السرير الذي يجلس عليه الملك ، وهو علامة الملْك والسيطرة ، كما في قوله تعالى عن ملكة سبأ على لسان الهدهد : { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [ النمل : 23 ] فحين يقول سبحانه { رَبِّ ٱلْعَرْشِ … } [ الأنبياء : 22 ] ينصرف إلى عرشه تعالى ، الذي لا يعلو عليه ، ولا ينازعه عَرْش آخر . ثم يقول الحق سبحانه عن ذاته سبحانه : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا … } .