Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق - سبحانه وتعالى - يمتنّ ببعض خَلْقه ، ولا يمتن الله إلا بشيء عظيم ونعمة من نعمه على عباده ، ومن ذلك الليل والنهار ، وقد أقسم سبحانه بهما في قوله تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 1 - 2 ] . وقال : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [ الضحى : 1 - 2 ] فالليل والنهار آيتان متكاملتان ، ليستا متضادتين ، فالأرض خلقها الله ليعمرها خليفته فيها : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا … } [ هود : 61 ] . أي : طلب منكم عمارتها بما أعطاكم الله من مُقوِّمات الحياة ، فالعقل المدبر ، والجوارح الفاعلة ، والقوة ، والمادة كلها مخلوقة لله تعالى ، وما عليك إلا أنْ تستخدم نِعَم الله هذه في عمارة أرضه ، فإذا ما تَمَّتْ الحركة في النهار احتاج الجسم بعدها إلى الراحة في الليل . لذلك كان النوم آية عُظْمى من آيات الله للإنسان تدلّ على أن الخالق - عز وجل - أمين على النفس أكثر من صاحب النفس . لذلك نرى البعض مِنّا يُرهِق نفسه في العمل ، ولا يعطي لجسده راحته الطبيعية ، إلى أنْ يصيرَ غير قادر على العمل والعطاء ، وهنا يأتي النوم كأنه رادع ذاتيٌّ فيك يُجبرك على الراحة ، ويدقُّ لك ناقوس الخطر : أنت لست صالحاً الآن للعمل ، ارحم نفسك وأعطها حقَّها من الراحة ، فإنْ حاولتَ أنت أنْ تنام قبل وقت النوم يتأبَّى عليك ولا يطاوعك ، أما هو فإنْ جاء أخذك من أعتى المؤثرات . وغلبك على كل شيء فتنام حتى على الحصى . وفي المثل العربي : فراش المتعبَ وطيء ، وطعام الجائع هَنِيء أي : حين ينام الإنسان المتعَب المجهد ينام ، ولو على الحصى ، ولو دون أيِّ وسائل للراحة ، ومع ذلك ينام نَوْمة مريحة . وفي المثَل أيضاً : النوم ضيف ، إنْ طلبتَه أعْنَتَكَ ، وإنْ طلبك أراحك والحق سبحانه يُحدِّثنا عن آية النوم في موضع آخر : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … } [ الروم : 23 ] . وهنا احتياط ومَلْحظ ، فإنْ كان النوم بالليل للسكن وللراحة ، فهناك مَنْ يعملون بالليل ، فينامون بالنهار كالحرّاس ورجال الشرطة والخبازين وغيرهم ، وهؤلاء لا مانعَ أن يناموا بالنهار ليسايروا حركة الحياة . ثم يقول تعالى : { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ … } [ الأنبياء : 33 ] نعم هناك آيات أخرى كثيرة في كَوْن الله ، لكن أوضحها وأشهرها : الشمس والقمر فهما تحت المشاهدة { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] فالليل والنهار والشمس والقمر يدور كُلٌّ منهم خَلْف الآخر ويخلفه ، كما قال سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً … } [ الفرقان : 62 ] . وكلمة { يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] تعبير قرآني دقيق للأداء الحركي ، وهي مأخوذة من سبحة السمك في الماء حيث يسبح السمك في ليونة الماء بحركة انسيابية سهلة لأن الحركة لقطع المسافات إما حركة إنسيابية ، وإما حركة قفزية . وتلاحظ هاتين الحركتين في عقارب الساعة ، فلو لاحظت عقرب الثواني مثلاً لوجدّتَه يتحرّك حركة قفزية ، يعني : ينطلق من الثبات إلى الحركة إلى الثبات ، فالزمن فيه جزء للحركة وجزء للسكون . أما عقرب الدقائق فيسير بحركة انسيابية مستمرة ، كل جزء من الزمن فيه جزء من الحركة ، وهكذا تكون سُبْحة السمك ، ومنها قوله تعالى : { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } [ النازعات : 3 ] . وكذلك تكون حركة الظل : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ … } [ الفرقان : 45 ] وأيضاً حركة نمو الطفل ، فلو أدَمَْتَ النظر إلى طفلك الصغير لا تكاد تلاحظ عليه مظاهر النمو ، وكأنه لا يكبر أمام عينيك ، أمّا لو غِبْتَ عنه مثلاً عدة شهور يمكن أن تلاحظ نُموه ذلك لأن النمو حركة مُوزّعة على كل ثانية في الزمن لا أن النمو يتجمع ثم يظهر فجأة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ … } .