Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 32-32)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سمَّى السماء سقفاً لأن السماء كل ما علاَك فأظلّك ، وفرْقٌ بين سقف من صنع البشر يعتمد على أعمدة ودعائم … الخ ، وسقف من صُنْع الخالق العظيم ، سقف يغطي الأرض كلها ومحفوظ بلا أعمدة ، سقف مَسْتوٍ لا نتوءَ فيه ولا فتور . والسماء أخذتْ دوراً تكوينياً خصَّها الله به كما خَصَّ آدم عليه السلام ، فالخَلْق جميعاً خُلِقوا بكُنْ من أب وأم ، أمّا آدم فقد خُلق خلقاً مباشراً بيد الله سبحانه ، لذلك قال تعالى : { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ … } [ ص : 75 ] وهذا شرف كبير لآدم . وكذلك قال في خَلْق السماء : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ … } [ الذاريات : 47 ] . وفي آية أخرى قال سبحانه : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } [ الذاريات : 7 ] يعني : محبوكة ومحكمة ، والحبكة معناها أن ذراتها التي لا تُدرَك ملتحمة مع بعضها ، ليس التحاماً كلياً إنما التحام ذرات لذلك ترى السماء ملساء ولذلك قال عنها الخالق عز وجل : { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } [ النازعات : 28 ] . ولك أن تلاحظ صنعة البشر إذا أراد أحدنا أنْ يبنيَ مثلاً ، أو يصنع سقفاً ، فالبناء يُبنى بمنتهى الدقة ، ومع ذلك ترى طوبة بارزة عن طوبة ، فيأتي عامل المحارة فيحاول تسوية الجدار ، ويزنه بميزان الماء ، ومع ذلك نجد في الجدار تعاريج ، ثم يأتي عامل الدهانات ، فيحاول إصلاح مثل هذه العيوب فيعد لها معجوناً ويكون له في الحائط دور هام . وبعد أن يستنفد الإنسان كل وسائله في إعداد بيته كما يحب تأتي بعد عدة أيام ، فترى الحق - سبحانه وتعالى - يُعدِّل على الجميع ، ويُظهر لهم عيوب صنعتهم مهما بلغتْ من الدِّقة بقليل من الغبار ينزل عمودَياً فيرُيك بوضوح ما في الحائط من عيوب . وإذا كانت صنعة البشر تختلف باختلاف مهارة كل منهم وحَذَقة في عمله ، فما بالك إنْ كان الصانع هو الله الذي يبني ويُسوِّي ويُزيِّن ؟ { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ … } [ الملك : 3 ] . وانظر إلى أمهر الصُّناع الآن ، يُسوِّي سقفاً لعدة حجرات ، ويستخدم مادة واحدة ويُلوِّنها بلون واحد ، لا بُدَّ أن تجد اختلافاً من واحدة للأخرى ، حتى إنْ خلط العامل اللون مرة واحدة لكل الحجرات يأتي اللون مختلفاً ، لماذا ؟ لأنه حين يأخذ من هذا الخليط تجد ما يتبقى أكثر تركيزاً ، فإذا لم يكمل العمل في نفس اليوم تجد ما تبقّى إلى الغد يفقد كمية من الماء تؤثر أيضاً في درجة اللون . ومعنى : { مَّحْفُوظاً … } [ الأنبياء : 32 ] أي : في بنية تكوينه لأنه مُحْكَم لا اختلاف فيه ، ولا يحفظ إلا الشيء النفيس ، تحافظ عليه لنفاسته وأصالته . لكن من أيّ شيء يحفظه الله ؟ يحفظها أن تمور ، يحفظها أن تقع على الأرض إلا بإذنه . { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ … } [ الحج : 65 ] . وقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ … } [ الروم : 25 ] . إذن : في خَلْق السماء عظمة خَلْق ، وعظمة تكوين ، وعظمة صيانة تناسب قدرته تعالى ، ولا يقدر عليها إلا الله ، فالصيانة من عندنا نحن ، ولن نترك لكم صيانتها ، وإنْ كانت لا تحتاج إلى صيانة لأنها صنعتنا . ومن المسائل التي بيَّنها لنا الحق - سبحانه وتعالى - في أمر السماء مسألة استراق السمع ، فكانت الشياطين قبل الإسلام تسترق السمع ، لكن بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم شاء الحق سبحانه ألاَّ يدلس على دعوته بسماع شيطان يُوحِي إلى أعدائه ، فمنع الجن من استراق السمع بالشُّهُب ، فقال سبحانه : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر : 16 - 18 ] . ثم يقول سبحانه : { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 32 ] كأن للسماء آياتٍ خاصة بها ، ففي الكون آيات كثيرة ، وللسماء آياتها ، فالشمس والقمر والنجوم والأفلاك من آياتها . وبعد ذلك نسمع من رجال الأرصاد أن من كواكب السماء ما لم يَصِلْنا ضوؤه منذ خلق الله الأرض حتى الآن ، مع أن سرعة الضوء ثلثمئة ألف كيلومتر في الثانية ، ويمكن أن نفهم هذا في ضوء قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ] . لذلك يعطينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة تقريبية لهذه المسألة ، حتى لا نُرهق أنفسنا بالتفكير فيها : " ما السماوات والأرض وما بينهما بالنسبة لملْك الله إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة " . ومع ذلك لما صعد رواد الفضاء للقمر سارع بعض علمائنا من منطلق حُبِّهم للإسلام وإخلاصهم للقرآن بالقول بأنهم صعدوا للسماء ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] . والمراد هنا : سلطان العلم الذي مكَّنَهم من الصعود . لكن ما داموا نفذوا بِسلطان العلم ، فلماذا قال بعدها : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [ الرحمن : 35 ] إذن : السلطان المراد ليس هو سلطان العلم كما يظنون ، إنما المراد سلطانُ مِنِّى ، بإذني وإرادتي . ولو كان الأمر كما يقولون لقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بالمعراج : كيف تقول ذلك يا محمد وربك هو القائل : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] . إذن : المراد هنا سلطان من الله تعالى هو سبحانه الذي يأذن بهذه المسألة ، فتُفتّح له أبواب السماء . ثم ما علاقة القمر بالسماء ؟ والكلام عن النفاذ من أقطار السماوات ، وأين القمر من السماء ؟ إن المسافة بين الأرض والقمر سنتان ضوئيتان ، فالقمر - إذن - ما هو إلا ضاحية من ضواحي الأرض ، كالمعادي مثلاً بالنسبة للقاهرة ، فأَيُّ سماء هذه التي يتحدثون عنها ؟ ! وقوله تعالى : { مُعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 33 ] سبق أن تحدّثنا عن الإعراض ، وهو الانصراف عن الشيء مِنْ أعرض يعني : أعطاه ظهره . ثم يقول الحق سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ … } .