Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويا ليت كلاً منهم يفعل هذا الفعل في نفسه ، إنما يتآمرون جميعاً على الحق ليفسدوه باللعب واللهو { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى … } [ الأنبياء : 3 ] أي : يتناجَوْن في الإثم ، ويُسِرُّونه يعني : يجعلونه سِراً . والنَّجْوى أو التناجي : خَفْضِ الصوت ، كما جاء في قوله تعالى : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ … } [ المجادلة : 7 ] . فلا تظنوا أنكم مستورون عن الله ، أو تُخْفون عنه شيئاً . وتلاحظ في ارتقاءات العدد في هذه الآية أنها لم تذكر اثنين ، فبدأت من العدد ثلاثة لأنه عادةً لا تكون النجوى بين الاثنين ، إنما تكون بين الثلاثة ، حيث يتناجى اثنان حتى لا يسمع الثالث . كما أنها لم تذكر الأعداد بالترتيب ، فلم تَقُلْ مثلاً : ولا أربعة إلا هو خامسهم ذلك لأن الآية لا تقصد الترتيب العددي ، إنما تعطيك مجرد أمثلة ونماذج من الأعداد . وكذلك في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ … } [ المجادلة : 8 ] . وما داموا يُخْفون كلاماً ويُسِرُّونه ، فلا بُدَّ أنه مخالف للفطرة السليمة ، ولو كان حقّاً لَقالُوه علانية ، فالنجْوى دليلُ اتهامهم في العقل ، وفي القلب ، وفي كل شيء . أما قوله تعالى في شأن النبي صلى الله عليه وسلم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً … } [ المجادلة : 12 ] . وهل كان الصحابة يُحدِّثون الرسول سرَّاً ؟ لا بل هنا إشارة أخرى أوضحها قوله تعالى : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً … } [ النور : 63 ] . فالمراد ألاّ نرفع أصواتنا في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كما يحدث مِنّا حين يُكلِّم بعضنا بعضاً ، بل نُكلِّمه كلام المهيب ، ونلتزم معه الأدب والخشوع . وقوله تعالى : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ … } [ الأنبياء : 3 ] هل الذين هنا هي الفاعل لأسرُّوا ؟ القاعدة النحوية : إذا تقدم الفعل على الفاعل لزم صورة الإفراد نقول : أكل القوم . لا نقول : أكلوا القوم ، وهنا { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى … } [ الأنبياء : 3 ] لو أن الذين ظلموا هي الفاعل لقال : وأَسَرَّ الذين ظلموا ، إنما جاء الفاعل واو الجماعة ثم الاسم الموصول الذين بعدها فليست هي الفاعل ، وليست هذه من لغات العرب الصحيحة . فكأن سائلاً سأل : ومَن الذي أسَرَّ ؟ فأجاب : الّذِينَ ظَلَمُوا وكلمة ظَلَمُوا عامة في الظلم ، فقد ظلموا أنفسهم أولاً لأن ظلمهم عائد عليهم بالعذاب ، وظُلْم نفسه ناشىء من أنه ظلم الحق الأعلى { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . ثم ظلم الناس في أمور أخرى وفي حقوق لهم ، لكن جاءتْ ظلموا عامة لأن الظلم الواحد سيشمل كل أنواع الظلم ، وما دام قد وصل به الأمر إلى أنْ ظَلَم الله فلا غرابةَ أنْ يظلم ما دونه تعالى . فما النجوى التي أسرَّهَا القوم ؟ ومَنْ أخبر رسول الله بها ؟ النجوى قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] . فكيف عرف محمد هذه المقولة ، وقد قالوها في أنفسهم وأسرُّوها ؟ ألم يكُن على هؤلاء أن يتنبَّهوا : كيف عرف محمد مقولتهم ؟ وأن الذي أخبره بما يدور هو ربُّه الإله الأعلى ، الذي لا تَخْفى عليه خافية ، كان عليهم أن يلتفتوا إلى رب محمد ، الله الإله الحق الذي يعلم خَبْءَ كل شيء فيرتدعوا عَمَّا هم فيه ، وبدل أنْ يشغلوا عقولهم بمسائل الشرك ينتهوا بها إلى الإيمان . ومما جاء في تناجيهم : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ … } [ الأنبياء : 3 ] إذن : أنكروا أن يكون رسولاً لأنه بشر ، والرسول لا بُدَّ أن يكون ملكاً { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } [ الأنبياء : 3 ] فسمُّوا القرآن سحْراً ، لأنهم يروْنَ السحر يُفرِّق بين الابن وأبيه ، والأخ وأخيه { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } [ الأنبياء : 3 ] أن القرآن يفعل مثل هذا . ثم يقول الحق سبحانه : { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ … } .