Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 2-2)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : ذكر من القرآن { مُّحْدَثٍ … } [ الأنبياء : 2 ] يعني : يسمعونه جديداً لأول مرة { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأنبياء : 2 ] لا يعطونه اهتماماً ، ولا يُلْقون له بالاً ، وهم يتعمدون هذا ، ويُوصِي بعضهم بعضاً به ويُحرّضون عليه ، كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى حكاية عنهم : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] . إنهم يخافون إنْ سمعوا القرآن أنْ يتأثروا به فيؤمنوا لذلك لا تسمعوه ، بل شَوِّشوا عليه حتى لا يسمعه أحد في هدوء واطمئنان فيؤمن به . وهذا يعني أن هذا العمل في مصلحتهم لأنهم لا يستطيعون رَدَّ حُجَج القرآن ولا الثبات أمام إعجازيته ولا بلاغته ولا تأثيره على النفوس ، فهُمْ لا يملكون إلاَّ أنْ يصرفوا الناس عن سماعه ، والتشويش عليه ، حتى لا يتمكّن من الأسماع ، وينفذ إلى القلوب ، فيخالطها الإيمان . واللعب : أن تشغل نفسك بعمل لا قَصْدَ فيه لغاية ، كما يأخذ الطفل الصغير كراسة أخيه ، ويعبث فيها بالقلم دون نظام ودون هدف . وهناك أيضاً اللهو : وهو عمل مقصود لغاية ، لكن هذه الغاية تضعها أنت لنفسك ، أو يضعها غيرك ممَّنْ يريد أنْ يُفسِدك بها ، إذن : هو عمل مقصود وله غاية ، ليس مجرد شخبطة كمَنْ ينشغل مثلاً برسم بعض الصور للتسلية ، أو ينشغل بحلِّ الكلمات المتقاطعة ، فهي أعمال لا فائدة منها . أما العمل النافع الذي ينبغي أن ينشغل الإنسان به فهو الذي يضعه لك مَنْ هو أعلى منك ، وأنْ يكون حكيماً مُحباً لك ، وهذه المواصفات لا تجدها إلا في الإله ، لذلك كل ما يُلهِيك عَمَّا يضعه لك إلهك فهو لَهْو لأنه شَغَلك عما هو أهَمّ . لذلك يقول تعالى : { إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ … } [ محمد : 36 ] . فاللعب في مرحلة الطفولة ، بل نأتي نحن باللُّعب ونقول للطفل : العب ، إنما اللهو أن تنشغلَ بعمل مقصود وله غاية ، لكنها تلهيك عن غاية أسمى هي التي وضعها لك الحكيم القادر الأعلى منك المحبّ لك . إذن : منتهي اللهو واللعب أن يلعبوا عند سماع القرآن ، فلم يستمعوا له ، حتى على أنه لهو له غاية ، إنما على أنه لَعِبٌ لا غاية له ولا فائدةَ منه لأن غايته ضارّة . واللعب وإنْ كان مُباحاً في فترة ما قبل البلوغ ، إنما القلوب يجب أن تُربَّى على أنْ تلتفت إلى الله عز وجل الخالق الرازق في هذه الفترة المبكرة من حياة الإنسان ، وهذه مهمة الأب ، فإنْ أتى لولده بطعام أو شراب يقول أمام الولد الصغير : ربنا رزقنا به . وهكذا في كل أمور الحياة يسند الأمر إلى الله وينبه الولد الصغير : قل : بسم الله قل : الحمد لله . وهكذا تُربِّى في الولد مواجيده على اليقين بالله القوي ، وإنْ كان الولد لا يراه فإنه يرى آثاره ونِعَمه . ويرى أباه الذي يتعهده ، ويأتي له بكل شيء لا يتصيّد المجد لنفسه ، إنما ينسب كل شيء إلى الله . فأبوه - وهو المثل الأعلى له - يزحزح هذه المسائل عنه وينسبها لله ، فيتربى وجدانُ الولد على الإيمان . فإذا لم يُرَبَّ الولد هذه التربية تسلل إلى نفسه اللَّهْو واللَّعِب . وسبق أن قلنا : إن كُلَّ فعل من الأفعال لا بُدَّ أنْ ينشأ عن مَوْجدة من المواجيد ، ولا ينشأ الفعل دون مَوجدة إلا فعل المجنون ، والقلوب هي التي تُوجِّه الجوارح ، ولو لم تكُنْ القلوب لاهية ما لعبت الجوارح . لذلك سيدنا عمر - رضي الله عنه - حينما دخل على رجل يعبث بذقنه هو يصلي - كما يفعل الكثيرون - قال : لو خشعَ قلبُ هذا لخشعتْ جوارحه . فحركة الجوارح دليل على انشغال القلب ؟ لذلك يقول تعالى بعدها : { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى … } .