Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن رسول الله ما أبلغكم بشيء من عند نفسه ، إنما كل ما جاء به من وعد ووعيد فهو من عند الله ، وأنتم أنفسكم تؤكدون على بشريته ، نعم هو بشر لا يعلم شيئاً كما تقولون ، وهذه تُحسَب له لا عليه ، إنما ربه يوحي إليه . فلو قال محمد : إنما أنذركم … لكان لكم حق أنْ تتشكَّكوا ، إنما القائل هو الله ، وأنا مجرد مُبلِّغ عن الله الذي يملك أعِنَّة الأحداث ، فإذا قال بوجود حدث فلا بُدَّ أنْ يقع . ثم يقول تعالى : { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } [ الأنبياء : 45 ] وحاسّة السمع هي أول معلوميات الإنسان ، وأول حواسه عملاً ، وقبل أن يتكلم الطفل لا بُدَّ أنْ يسمع أولاً ، لينطق ما سمعه لأن السمع هو الإدراك الأول المصاحب لتكوين الإدراكات ، والأذن - كما قلنا - تسبق العين في أداء مهمتها . لذلك قدّمه الحق سبحانه ، فقال : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] . والسمع هو الآلة التي لا تتعطّل عن مهمتها ، حتى ولو كان الإنسان نائماً لأن به يتم الاستدعاء لذلك لما أراد الحق سبحانه أنْ يُنيم أهل الكهف هذه المدة الطويلة ضرب على آذانهم ، وعطّل عندهم حاسة السمع حتى لا تُزعجهم أصوات الطبيعة خارج الغار ، فقال : { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } [ الكهف : 11 ] . ومعنى : { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ … } [ الأنبياء : 45 ] صحيح أنهم يسمعون ، وآلة السمع عندهم صالحة للعمل ، إلا أنه سماعٌ لا فائدة منه ، ففائدة السمع أنْ تستجيب لمن يُحدِّثك ، فإذا لم تستجِبْ فكأنك لم تسمع ، وإذا أمرت العامل مثلاً بشيء فتغافل عنه تقول له : أأنت أطرش ؟ ولذلك سماهم القرآن : صُماً . وقوله تعالى : { إِذَا مَا يُنذَرُونَ } [ الأنبياء : 45 ] أي : لَيْتهم يتغافلون عن نداء عادي ، إنما يتغافلون وينصرفون { إِذَا مَا يُنذَرُونَ } [ الأنبياء : 45 ] حين يُخوِّفهم عذاب الله ، والإنذار والتحذير أَوْلَى ما يجب على الإنسان الاهتمام به ، ففيه مصلحته ، ومن الغباء ألاَّ يهتم به ، كما لو أنذرتَ إنساناً وحذَّرْتَه من مخاطر طريق ، وأن فيه ذئاباً أو أُسُوداً أو ثعابين أو قطاعَ طريق ، فلا يهتم بكلامك ، ولا يحتاط للنجاة بنفسه . وقلنا : إن الإنذار : أنْ تخبر بشرٍّ قبل أوانه ليستعد لتلافيه ، لا أنْ تنذره ساعة الحادث فلا يجد فرصة . إذن : المسألة ليست طبيعة في التكوين ، إنما توجيه إدراكات ، كأنْ تكلِّم شخصاً في أمر لا يعجبه ، فتجده " أذن من طين ، وأذن من عجين " ينصرف عنك كأنه لم يسمع شيئاً ، كأحدهم لما قال لصاحبه : فيك مَنْ يكتم السر ؟ قال : نعم سِرُّك في بير ، قال : أعطني عشرة جنيهات ، فردَّ عليه : كأنِّي لم أسمع شيئاً ! ! ! ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ … } .