Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 72-72)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعطينا الحق سبحانه هنا لقطةً من قصة إبراهيم لكن بعيدة عَمّا نحن بصدده من الحديث عنه ، فقد وهب الله لإبراهيم إسحاق لما دعا الله قال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 100 ] مع أنه كان عنده إسماعيل ، لكن إسماعيل من هاجر ، وقد تحركت مشاعر الغَيْرة لدى سارة ، ووجدت في نفسها ما تجده النساء في مسألة الولد ، وكيف يكون لإبراهيم ولد من هاجر التي زوَّجتها له دون أن يكون لها مِثْله . لذلك ألحَّتْ سارة على إبراهيم أن يدعو الله أنْ يرزقها الولد ، فدعا إبراهيم ربه ، وأراد الحق سبحانه أن يجيب إبراهيم ، وأن يُحقِّق له ما ترجوه زوجته ، لكن أراد أن يعطيه هذا الولد في ملحظ عقدي يُسجَّل ولا يزول عن الأذهان أبداً ، ويظلُّ الولد مقترناً بالحادثة . فبداية قصة إسحاق لما أمر الله نبيه إبراهيم في الرؤيا أن يذبح ولده إسماعيل ، فأخبره برؤياه : { يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ … } [ الصافات : 102 ] . أراد إبراهيم أنْ يُشرك ولده معه في هذا الاختبار ، وألاَّ يأخذه على غِرَّة حتى لا تتغير نفسه نحو أبيه فيكرهه وهو لا يعلم ما حدث ، وأراد أيضاً ألاَّ يحرم ولده من الثواب والأجر على هذه الطاعة وهذا الصبر على البلاء . أما إسماعيل فمن ناحيته لم يعارض ، ولم يقُلْ مثلاً : يا أبت هذه مجرد رؤيا وليست وحياً ، وكيف نبني عليها ، بل نراه يقول : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ … } [ الصافات : 102 ] ولم يقُلْ : أفعل ما تقول ، فما دام الأمر من الله فافعل ما أمرتَ به { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] . { فَلَمَّا أَسْلَمَا … } [ الصافات : 103 ] أي : هما معاً إبراهيم وإسماعيل { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ … } [ الصافات : 103 ] يقال : تله يعني جعل رأسه على التل ، وهو المكان المرتفع من الأرض ، و { لِلْجَبِينِ } [ الصافات : 103 ] يعني : جعل جبهته مباشرة للأرض ، بحيث يذبحه من قفاه ، وهذا هو الذَّبْح العاجل المثمر . { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ … } [ الصافات : 104 - 105 ] وما دُمْتَ صدّقْتَ الرؤيا ، فلكَ جزاء الإحسان لأنك أسرعتَ بالتنفيذ مع أنها رؤيا ، كان يمكنه أن يتراخى في تنفيذها ، لكنه بمجرد أن جاء الأمر قام وولده بتنفيذه . إذن : الحق سبحانه لا يريد من عبده إلا أنْ يُسلِّم بقضائه ، وصدق القائل : @ سَلِّم لربِّكَ حُكْمَهُ فلحكمةٍ يَقْضِيـ ـه حتى تستريح وتنْعمَا واذْكُرْ خليلَ اللهِ في ذَبْحِ ابنهِ إذ قال خالقه فلما أسلمَا @@ لذلك لا يرفع الله قضاءً يقضيه على خلقه إلا إذا رُضِيَ به ، فلا أحدَ يُجبر الله على شيء ، وضربنا لذلك مثلاً - ولله المثَل الأعلى - بالأب حين يدخل ، فيجد ولده على أمر يكرهه ، فيزجره أو يضربه ضربة خفيفة ، تُعبِّر عن غضبه ، فإنْ خضع الولد لأبيه واستكان عاد الوالد عطوفاً حانياً عليه وربما احتضنه وصالحه ، أمّا لو عارض الولد وتبجَّح في وجه والده فإنه يشتد عليه ويُضاعِف له العقوبة ، وتزداد قسوته عليه . وهكذا الحال مع إبراهيم { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [ الصافات : 107 ] ففدينا له إسماعيل ، ليس هذا وفقط بل { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ … } [ الصافات : 112 ] ثم زاده بأنْ جعل إسحاق أيضاً نبياً مثل إسماعيل ، هذه هي مناسبة الكلام عن إسحاق ويعقوب . هنا يقول تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً … } [ الأنبياء : 72 ] والنافلة : الزيادة ، وقد طلب من ربه ولداً من الصالحين ، فبشَّره الله بإسحاق ومن بعده يعقوب وجميعهم أنبياء لذلك قال { نَافِلَةً … } [ الأنبياء : 72 ] يعني : أمر زائد عما طلبتَ فإجابة الدعاء بإسحاق ، والزيادة بيعقوب ، وسرور الإنسان بولده كبير ، وبولد ولده أكبر ، كما يقولون : " أعز من الوِلْد وِلْد الولد " والإنسان يضمن بقاء ذِكْره في ولده ، فإن جاء ولد الولد ضَمِن ذِكْره لجيل آخر . والهبة جاءت من الله لأن المرأة لم تكُنْ صالحة للإنجاب ، بدليل قوله تعالى : { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [ الذاريات : 29 ] فردَّ عليها : { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ … } [ هود : 73 ] أي : أنه سبحانه قادر على كل شيء . ويقول الحق سبحانه : { وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [ الأنبياء : 72 ] فالحفيد نافلة وزيادة في عطاء الذرية ، ومبالغة في الإكرام ، ثم يمتن الله على الجميع بأن يجعلهم صالحين ، ويجعلهم أنبياء ، كما قال في آية أخرى : { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } [ مريم : 49 ] .