Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 76-76)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَنُوحاً … } [ الأنبياء : 76 ] مثلما قلنا في { وَلُوطاً … } [ الأنبياء : 74 ] أي : آتيناه هو أيضاً رُشْده { إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ … } [ الأنبياء : 76 ] والنداء في حقيقته : طلبُ إقبال ، فإنْ كان من أعلى لأدنى فهو نداء ، وإنْ كان من مُسَاوٍ لك فهو التماس ، فإنْ كان من أدنى لأعلى فهو دعاء ، فحين تقول يا رب : الياء هنا ليست للنداء بل للدعاء . وحين تمتحن تلميذاً تقول له : أعرب : رَبِّ اغفر لي ، فلو كان نبيهاً يقول : ربّ مدعو . والتقدير يا رب ، ومن قال : منادى نسامحه لأنه صحيح أيضاً ، فالياء في أصلها للنداء ، لكنه غير دقيق في الأداء . كذلك في : اغفر لي ، إنْ قال فِعْل أمر نعطيه نصف الدرجة ، أما إن قال دعاء فَلَهُ الدرجة الكاملة . فماذا قال نوح عليه السلام في ندائه ؟ المراد قوله : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] فاستجاب الله لنبيه نوح عليه السلام : { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [ الأنبياء : 76 ] والمراد بالكرب ما لبثه نوح في دعوة قومه من عمر امتد ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وما تحمَّله في سبيل دعوته من عَنَتٍ ومشقّة قال الله فيها : { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } [ نوح : 7 - 9 ] . ثم لما أمره الله بصناعة الفُلك أخذوا يسخرون منه : { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ … } [ هود : 38 ] إذن : استجاب الله دُعَاءه ونداءه { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ … } [ الأنبياء : 76 ] وفي موضع آخر : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } [ الصافات : 75 ] فوصف الحق سبحانه إجابته لنوح بـ نِعْم الدالة على المدح . فهل يعني ذلك أن هناك مَنْ يكون بِئْس المجيب ؟ قالوا : نعم إذا سألته شيئاً فأجابك إليه وهو شَرٌّ لك ، أمَّا الحق سبحانه فهو نِعْم المجيب لأنه لا يُجيبك إلا بما هو صالح ونافع لك ، فإنْ كان في دعائك شَرٌّ ردَّه لعلمه سبحانه أنه لن ينفعك . وكأن الحق الأعلى سبحانه يقول لك : أنا لستُ موظفاً عندك ، أجيبك إلى كُلِّ ما تطلب ، إنما أنا قيُّوم عليك ، وقد تدعو بما تظنّه خيراً لك ، وأعلم بأزلية عِلْمي أن ذلك شر لا خيرَ فيه ، فيكون الخير لك أَلاَّ أجيبك لأنني نِعْمَ المجيب . وهَبْ أن الله تعالى يجيب كُلاً منّا إلى ما يريد ، فكيف حال الأم التي تغضب مثلاً من وحيدها ، وفي لحظة الغضب والثورة تدعو عليه فتقول مثلاً : إلهي أشرب نارك ؟ فالحق - تبارك وتعالى - حين يردُّ مِثْل هذا الدعاء هو نِعْم المجيب لأنه نِعْم المانع . لذلك يقول تعالى : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] أي : يدعو ويُلِحُّ في الدعاء بما يظنُّه خَيْراً ، وهو ليس كذلك . { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ … } .