Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 87-87)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" ذو النون " : هو سيدنا يونس بن متى صاحب الحوت ، والنون من أسماء الحوت ، وجمعه نينان كحوت وحيتان لذلك سُمِّيَ به ، وقد أُرسل يونس عليه السلام إلى أهلنِينَوىَ من أرض الموصل بالعراق . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعداس : " أنت من بلد النبي الصالح : يونس ابن متّى " . والنون أيضاً اسم لحرف من حروف المعجم ، لكن قد يوافق اسمُ الحرف اسماً لشيء آخر ، كما في ق وهو اسم جبل ، وكذلك السين ، فهناك نهر اسمه نهر السين ، وهكذا تصادف أسماء الحروف أسماء أشياء . وقوله تعالى : { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً … } [ الأنبياء : 87 ] مادة غضب نأخذ منها الوصف للمفرد . نقول : غاضب وغضبان ، أمّا مغاضب فتعطي معنى آخر لأنها تدل على المفاعلة ، فلا بُدَّ أن أمامك شخصاً آخر ، أنت غاضب وهو غاضب ، مثل : شارك فلان فلاناً . لكن في أصول اللغة رجحنا جانب الفاعلية في أحدهما ، والمفعُولية في الآخر ، كما نقول : شارك زيدٌ عَمْراً ، فالمشاركة حدثتْ منهما معاً ، لكن جانب الفاعلية أزيد من ناحية زيد ، فكلُّ واحد منهما فاعل مرة ومفعول أخرى . واللغة أحياناً تلحظ هذه المشاركة فتُحمِّل اللفظ المعنيين معاً : الفاعل والمفعول ، كما جاء في قَوْل الشاعر العربي الذي يصف السير في أرض معقربة ، والتي إذا سِرْت فيها دون أنْ تتعرض للعقارب فإنها تسالمك ولا تؤذيك ، فيقول : @ قَدْ سَالَم الحياتُ مِنْه القَدَمَا الأفْعُوانَ والشُّجاعَ القَشْعَمَا @@ أي : أنه سَالَم الحيات ، فالحيات سالمتْه ، فالمسالمة منهما معاً ، لكن غلب جانب الحيات فجاءت فاعلاً لأن إيذاءَها أقوى من إيذائه ، فلما أبدل من الحيات الأفعوان والشجاع القشعما وهما من أسماء الحيات كان عليه أنْ يأتي بالبدل مرفوعاً تابعاً للمبدل منه ، إلا أنه نصبه فقال : الأُفْعَوانَ والشجاعَ القشعمَا لأنه لاحظ في جانب الحيات أنها أيضاً مفعولٌ . فَمِمَّ غضب ذو النون ؟ غضب لأن قومه كذبوه ، فتوعدهم إنْ لم يتوبوا أنْ يُنزِل بهم العذاب ، وأتى الموعد ولم ينزل بهم ما توعدهم به ، فخاف أنْ يُكذِّبوه ، وأن يتجرَّأَوا عليه ، فخرج من بينهم مغاضباً إلى مكان آخر ، وهو لا يعلم أنهم تابوا فأخّر الله عذابهم ، وأجّل عقوبتهم . وفي آية أخرى يُوضِّح الحق سبحانه هذا الموقف : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ يونس : 98 ] . أي : لم يحدث قبل ذلك أنْ آمنتْ قرية ونفعها إيمانها إلا قرية واحدة هي قوم يونس ، فقد آمنوا وتابوا فأجّل الله عذابهم . إذن : خرج يونس مُغاضِباً لا غاضباً لأن قومه شاركوه ، وكانوا سبب غضبه ، كما حدث في مسألة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فرسول الله هاجر من مكة لكنه لم يهْجرهَا ، فسُمِّيَتْ هجرة لأن أهل مكة هجروا رسول الله أولاً ، وهجروا دعوته وألجئوه أيضاً إلى الهجرة وتَرْك مكة ، فهم طرف في الهجرة وسببٌ لها . لذلك قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً مكة : " والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إليَّ ، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منكِ ما خرجْتُ " . وقد أخذ المتنبي هذا المعنى ، وعبَّر عنه بقوله : @ إذَا ترحلْتَ عَنْ قَوْمٍ وقَدْ قَدَرُوا ألاَّ تُفارِقَهُمْ فالراحِلُون هُمُ @@ وقوله تعالى : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ … } [ الأنبياء : 87 ] البعض ينظر في الآية نظرةً سطحية ، فيقولون : كيف يظن يونس أن الله لن يقدر عليه ؟ وهذا الفَهْم ناشىء عن جَهْل باستعمالات اللغة ، فليس المعنى هنا من القدرة على الشيء والسيطرة ، ولو استوعبتَ هذه المادة في القرآن قَدَرَ لوجدت لها معنى آخر ، كما في قوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ … } [ الطلاق : 7 ] معنى قُدِر عليه رزقه يعني : ضُيِّق عليه . ومنها قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ … } [ الإسراء : 30 ] . وقوله سبحانه تعالى : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 15 - 16 ] . إذن : فقوله : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ … } [ الأنبياء : 87 ] أي : أن يونس لما خرج من بلده مُغاضباً لقومه ظنَّ أن الله لن يُضيِّق عليه ، بل سيُوسِّع عليه ويُبدله ببلده مكاناً أفضل منها ، بدليل أنه قال بعدها { فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] يريد منه سبحانه تنفيس كربته ، وتنفيس الكربة لا يكون إلا بصفة القدرة له . فكيف يستقيم المعنى لو قلنا : لن يقدر عليه بمعنى : أن الله لا يقدر على يونس ؟ إذن : المعنى : لن يُضيِّق عليه لأنه يعلم أنه رسول من الله ، وأن ربه لن يُسلْمه ، ولن يخذله ، ولن يتركه في هذا الكرب . وقد وُجدَتْ شبهة في قصة يونس - عليه السلام - في قوله تعالى : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الصافات : 143 - 144 ] . فكيف يلبث في بطن الحوت إلى يوم يُبعثون ، مع أن يونس سيموت ، وسيأتي أجَل الحوت ويموت هو أيضاً ، أم أن الحوت سيظل إلى يوم القيامة يحمل يونس في بطنه ؟ وفات هؤلاء نظرية الاحتواء في المزيجات ، كما لو أذبتَ قالباً من السكر في كوب ماء ، فسوف تحتوي جزئيات الماء جزئيات السكر ، والأكثر يحتوي الأقل ، فقالب السكر لا يحتوي الماء ، إنما الماء يحتوي السكر . فلو مات الحوت ، ومات في بطنه يونس - عليه السلام - وتفاعلت ذراتهما وتداخلتْ ، فقد احتوى الحوتُ يونسَ إلى أن تقوم الساعة ، وعلى هذا يظل المعنى صحيحاً ، فهو في بطنه رغم تناثر ذراتهما . { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ … } .