Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استجاب الله نداء يونس - عليه السلام - ونجَّاه من الكرب { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء : 88 ] إذن : فهذه ليست خاصة بيونس ، بل بكل مؤمن يدعو الله بهذا الدعاء { وَكَذٰلِكَ … } [ الأنبياء : 88 ] أي : مثل هذا الإنجاء نُنْجي المؤمنين الذين يفزعون إلى الله بهذه الكلمة : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] فيُذهِب الله غَمَّه ، ويُفرِّج كَرْبه . لذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " ثوِّروا القرآن " يعني : أثيروه ونقِّبوا في آياته لتستخرجوا كنوزه وأسراره . وكان سيدنا جعفر الصادق من المثوِّرين للقرآن المتأملين فيه ، وكان يُخرِج من آياته الدواء لكل داء ، ويكون كما نقول روشتة لكل أحوال المؤمن . والمؤمن يتقلّب بين أحوال عدة منها : الخوف سواء الخوف أنْ يفوته نعيم الدنيا ، أو الخوف من جبار يهدده ، وقد يشعر بانقباض وضيق في الصدر لا يدري سببه وهذا هو الغَمُّ ، وقد يتعرض لمكر الماكرين ، وكَيْد الكائدين ، وتدبير أهل الشر . هذه كلها أحوال تعتري الإنسان ، ويحتاج فيها لمَنْ يسانده ويُخرجه مما يعانيه ، فليس له حَوْل ولا قوة ، ولا يستطيع الاحتياط لكل هذه المسائل . وقد تراوده بهجة الدنيا وزُخْرفها ، فينظر إلى أعلى مِمّا هو فيه ، ويطلب المزيد ، ولا نهايةَ لطموحات الإنسان في هذه المسألة ، كما قال الشاعر : @ تَمُوتُ مع المرْءِ حَاجَاتُه وتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِي @@ والناس تحرص دائماً على أن تستوعب نِعَم الحياة وراحتها ، وهم في ذلك مُخْطِئون لأن تمام الشيء بداية زواله ، كما قال الشاعر : @ إذَا تَمَّ شَيءٌ بَدَا نَقْصُه تَرقَّبْ زَوَالاً إذَا قيلَ تَم @@ لأن الإنسان ابنُ أغيار ، ولا يدوم له حال من صحة أو مرض ، أو غِنىً أو فقر ، أو حزن أو سرور ، فالتغيُّر سِمَة البشر ، وسبحان مَنْ لا يتغير ، إذن : فماذا بعد أنْ تصل إلى القمةَ ، وأنت ابنُ أغيار ؟ ونرى الناس يغضبون ويتذمرون إنْ فاتهم شيء من راحة الدنيا ونعيمها ، أو انتقصتهم الحياة شيئاً ؟ وهم لا يدرون أن هذا النقص هو الذي يحفظ عليك النعمة ، ويدفع عنك عيون الحاسدين فيُسلِّم لك ما عندك . فتجد مثلاً أسرة طيبة حازتْ اهتمام الناس واحترامهم ، غير أن بها شخصاً شريراً سِّيئاً ، يعيب الأسرة ، فهذا الشخص هو الذي يدفع عنها عُيون الناسِ وحَسَدهم . وقد أخذ المتنبي هذا المعنى ، وعبَّر عنه في مدحه لسيف الدولة ، فقال : @ شَخَصَ الأنَامُ إِلَى كَمَالِكَ فَاستْعِذ مِنْ شَرِّ أعيُنهم بِعَيْبٍ وَاحِدٍ @@ نعود إلى روشته سيدنا جعفر الصادق التي استخلصها لنا من كتاب الله ، كما يستخلص الأطباء الدواءَ والعقاقير من كتب الحكماء : يقول : عجبتُ لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله تعالى : { حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } [ آل عمران : 173 ] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول : { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ … } [ آل عمران : 174 ] . وعجبتُ لمَنْ اغتمَّ ، ولم يفزع إلى قوله تعالى : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول : { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء : 88 ] . وعجبتُ لمن مُكِرَ به ، ولم يفزع إلى قوله تعالى : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ … } [ غافر : 44 ] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول : { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ … } [ غافر : 45 ] . وعجبتُ لمن طلب الدنيا وزينتها ، ولم يفزع إلى قوله تعالى : { مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ … } [ الكهف : 39 ] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول : { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ … } [ الكهف : 40 ] . وهكذا يجب على المؤمن أن يكون مُطْمئناً واثقاً من معيّة الله ، ويضع كما نقول في بطنه بطيخة صيفي لأنه يفزع إلى ربه بالدعاء المناسب في كل حال من هذه الأحوال ، وحين يراك ربك تلجأ إليه وتتضرع ، وتعزو كل نعمة في ذاتك أو في أهلك أو في مالك وتنسبها إلى الله ، وتعترف بالمنعِم سبحانه فيعطيك أحسنَ منها . ثم يُحدِّثنا الحق سبحانه عن نبي آخر من أنبيائه ، فيقول تعالى : { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ … } .