Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 97-97)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فكوْنُ أهل الفساد يأتون مُسْرِعين من كل حَدب وصَوْب إلا أن فسادهم لن يطول ، فقد اقتربت القيامة ، قال تعالى : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] . وقال : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ … } [ النحل : 1 ] . وهذا تنبيه للغافل ، وتحذير للباغي من أهل الفساد ، وتطمين ورجاء للمظلومين المستضعفين المعتدَى عليهم : اطمئنوا فقد قرب وقت الجزاء . { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ … } [ الأنبياء : 97 ] والوعد الحق أي : الصادق الذي يملك صاحبه أن يُنفّذه ، فقد تَعِد وعداً ولا تملك تنفيذه فهو وَعْد ، لكنه وَعْد باطل ، فالوعد يختلف حَسْب مروءة الواعد وإمكانياته وقدرته على إنفاذ ما وعد به . لكن مهما كانت عندك من إمكانيات ، ومهما ملكتَ من أسباب التنفيذ ، أتضمن أن تُمكِّنك الظروف والأحوال من التنفيذ ؟ ولا يملك هذا كله إلا الله عز وجل ، فإذا وعد حقق ما وعد به ، فالوعد الحق - إذن - هو وعد الله . وحين يقول الحق سبحانه : { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ … } [ الأنبياء : 97 ] فتنبه ولا تَقِسْ الدنيا بعمرها الأساسي ، إنما قِسْ الدنيا بعمرك فيها ، فهذه هي الدنيا بالنسبة لك ، ولا دَخْلَ لك بدنيا غيرك ، فإذا كنتَ لا تعلم متى تفارق دنياك فلا شَكَّ أن عمرك قريب ، واقترب الوعد الحق بالنسبة لك . وكذلك مدة مُكْثِك في قبرك إلى أن تقوم الساعة ستمر عليكِ كساعة من نهار ، كما قال سبحانه : { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ … } [ يونس : 45 ] . ولو تنبَّه كل مِنّا إلى إخفاء الله لأجله ، لعلم أن في هذا الإخفاء أعظمَ البيان ، فحين أخفاه ترقبناه في كل طَرْفة عَيْن ، وتنفُّس نَفَسٍ لذلك يقولون : " مَنْ مات قامت قيامته " ، لأن القيامة تعني الحساب والجزاء على الأعمال ، ومَنْ مات انقطع عمله ، وطُويَتْ صحيفته . وقوله تعالى : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } [ الأنبياء : 97 ] وَعْد الله هنا هو القيامة ، وهي تفاجئنا وتأتينا بغتة لذلك نقول في فَإذَا أنها الفجائية ، كما تقول : خرجتُ فإذا أسدٌ بالباب ، يعني : فوجئت به ، وهكذا ساعةَ تقوم الساعة سوف تُفَاجِئ الجميع ، لا يدري أحد ماذا يفعل . لذلك يقول سبحانه : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } [ الأنبياء : 97 ] وشخوص البصر يأتي حين ترى شيئاً لا تتوقعه ، ولم تحسب حسابه ، فتنظر مُنْدهِشاً يجمد جفنُك الأعلى الذي يتحرك على العين ، فلا تستطيع حتى أنْ ترمش أو تطرف . وفي آية أخرى يقول تعالى : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] . وإذا أردتَ أن ترى شُخوص البصر فانظر إلى شخص يُفَاجأ بشيء لم يكُنْ في باله ، فتراه - بلا شعور وبغريزته التكوينية - شاخصَ البصر ، لا ينزل جفنه . ثم يقولون : { يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا … } [ الأنبياء : 97 ] . فلم يقتصر الموقف على شخوص البصر إنما تتحرك أيضاً أدوات الإدراك فيقول اللسان : { يٰوَيْلَنَا } وهذا نداء للويل أي : جاء وقتُك فلم يَعُدْ أمامهم إلا أنْ يقولوا : يا عذاب هذا أوانك فاحضر . والويل : هو الهلاك السريع ينادونه ، فهل يطلب الإنسان الهلاكَ ، ويدعو به لنفسه ؟ نقول : نعم ، حين يفعل الإنسان الفعلَ ويجد عواقبه السيئة ، وتواجهه الحقيقة المرّة يميل إلى تعذيب نفسه ، أَلاَ تسمع مثل هؤلاء يقولون : أنا أستحق … أنا أستاهل الضرب … ؟ إنه لَوْم النفس وتأنيبها على ما كان منها ، فهي التي أوقعتْه في هذه الورطة . لذلك يقول سبحانه : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . فلماذا لا يُؤنِّب نفسه ، ويطلب لها العذاب ، وهي التي أردتْه في التهلكة ، ففي هذا الموقف تنقلب موازينهم التي اعتادوها في الدنيا ، فالأصدقاء في الشر وفي المعصية هم الآن الأعداء . { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا … } [ الأنبياء : 97 ] لم يكن هذا الموقف في بالنا ، ولم نعمل له حساباً ، والغفلة : أنْ تدرأ عن بالك ما يجب أن يكون على بالك دائماً . لكن ، أيّ غفلة هذه والله - عز وجل - يُذكِّرنا بهذا الموقف في كل وقت من ليل أو نهار ، ألاَ ترى أنه سبحانه سَمَّى القرآن ذِكْراً ليزيح عنّا هذه الغفلة ، فكلما غفلتَ ذكّرك ، وهزَّ مواجدك ، وأثار عواطفك . إذن : المسألة ليست غفلة لذلك نراهم يستدركون على كلامهم ، فيقولون : { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 97 ] لأنهم تذكَّروا أن الله تعالى طالما هَزَّ عواطفهم ، وحرَّك مواجيدهم ناحية الإيمان ، فلم يستجيبوا . لذلك اعترفوا هنا بظلمهم ، ولم يستطيعوا إنكاره في مثل هذا الموقف ، فلم يعُدْ الكذب مُجْدِياً ، ولعلّهم يلتمسون بصدقهم هذا نوعاً من الرحمة ، ويظنون أن الصدق نافعهم ، لكن هيهات . وكأن الحق سبحانه يحكي عنهم هذه المواجهة حين تفاجئهم القيامة بأهوالها ، فتشخص لها أبصارهم ، ويقول بعضهم { يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا … } [ الأنبياء : 97 ] فيردّ عليهم إخوانهم : أيّ غفلة هذه ، وقد كان الله يُذكِّرنا بالقيامة وبهذا الموقف في كل وقت { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 97 ] . و بَلْ حرف إضراب عن الكلام السابق ، وإثبات للكلام اللاحق ، وهكذا يُراجِعون أنفسهم ، ويُواجِه بعضهم بعضاً ، لكن بعد فوات الأوان . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } .