Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن تكلَّم الحق - سبحانه وتعالى - عن الكفار وأهل النار ومَنْ يعبدون الله على حَرْف ، كان لا بُدَّ أنْ يأتيَ بالمقابل لأن النفس عندها استعداد للمقارنة والتأمل في أسباب دخول النار ، وفي أسباب دخول الجنة ، وهذا أَجْدى في إيقاع الحجة . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] وقوله تعالى : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً … } [ التوبة : 82 ] . فذِكْر النعمة وحدها دون أنْ تقابلها النِّقْمة لا تُؤتِي الأثر المطلوب ، لكن حينما تقابل النعمة بالنقمة وَسَلْب الضّر بإيجاب النفع فإنَّ كلاهما يُظهر الآخر لذلك يقول تعالى : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ … } [ آل عمران : 185 ] فإنْ آمنتَ لا تُزَحْزح عن النار فقط - مع أن هذه في حَدِّ ذاتها نعمة - لكن تُزَحْزح عن النار وتدخل الجنة . والإيمان : عمل قلبي ومواجيد تطمئن بها النفس ، لكن الإيمان له مطلوب : فأنت آمنتَ بالله ، واطمأنَّ قلبك إلى أن الله هو الخالق الرازق واجب الوجود … إلخ ، فما مطلوب هذا الإيمان ؟ مطلوب الإيمان أنْ تستمع لأوامره ، لأنه حكيم ، وتثق في قدرته لأنه قادر ، وتخاف من بطشه لأنه جبار ، ولا تيأس من بَسْطه لأنه باسط ، ولا تأمن قبضه لأنه قابض . لقد آمنتَ بكل هذه القضايا ، فحين يأمرك بأمر فعليك أنْ تستحضر حيثيات هذا الأمر ، وأنت واثق أن ربك عز وجل لم يأمرك ولم يَنْهَكَ من فراغ ، إنما من خلال صفات الكمال فيه سبحانه ، أو صفات الجلال والجبروت ، فاستحضر في كُلِّ أعمالك وفي كُلِّ ما تأتي أو تدع هذه الصفات . لذلك ، جمعت الآية بين الإيمان والعمل الصالح : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ … } [ الحج : 14 ] . وفي سورة العصر : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ العصر : 1 - 3 ] ليس ذلك وفقط إنما أيضاً : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] . فالتواصي بالحق والصبر على الشدائد من الاستجابة لداعي الإيمان وثمرة من ثماره لأن المؤمن سيتعرَّض في رحلة الحياة لفِتَن كثيرة قد تزلزله ، وسيواجه سُخْرية واستهزاءً ، وربما تعرَّض لألوان العذاب . فعليه إذن - أنْ يتمسَّك بالحق ويتواصى به مع أخيه ، وعليه أن يصبر ، وأنْ يتواصى بالصبر مع إخوانه ، ذلك لأن الإنسان قد تعرض له فترات ضَعف وخَوَر ، فعلى القوي في وقت الفتنة أنْ ينصحَ الضعيف . وربما تبدَّل هذا الحال في موقف آخر وأمام فتنة أخرى ، فَمنْ أوصيْتَه اليوم بالصبر ربما يوصيك غداً ، وهكذا يُثمِر في المجتمع الإيماني التواصي بالحق والتواصي بالصبر . إذن : تواصَوْا لأنكم ستتعرضون لِهزَّات ليست هزَّات شاملة جامعة ، إنما هزَّات يتعرض لها البعض دون الآخر ، فإنْ ضعُفْتَ وجدتَ من إخوانك مَنْ يُواسيك : اصبر ، تجلَّد ، احتسب . وإياك أنْ تُزحزحك الفتنة عن الحق ، أو تخرج عن الصبر ، وهذه عناصر النجاة التي ينبغي للمؤمنين التمسك بها : إيمان ، وعمل صالح ، وتواصٍ بالحق ، وتواصٍ بالصبر . وقوله سبحانه : { جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ الحج : 14 ] الجنات : هي الحدائق والبساتين المليئة بأنواع المتَع : الزرع ، والخضرة ، والنضارة ، والزهور ، والرائحة الطيبة ، وهذه كلها بنت الماء لذلك قال { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ الحج : 14 ] ومعنى : { مِن تَحْتِهَا … } [ الحج : 14 ] أن الماء ذاتيٌّ فيها ، لا يأتيها من مكان آخر ربما ينقطع عنها ، كما جاء في آية أخرى : { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ التوبة : 100 ] . ثم يقول سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ الحج : 14 ] لأنه سبحانه لا يُعْجِزه شيء ، ولا يعالج أفعاله كما يعالج البشر أفعالهم { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] ولو تأملتَ هذه الآية لوجدتَ الشيء الذي يريده الله ويأمر بكونه موجوداً في الحقيقة ، بدليل أن الله تعالى يخاطبه { يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] فهو - إذن - كائن فعلاً ، وموجود حقيقةً ، والأمر هنا إنما هو لإظهاره في عالم المشاهدة . ثم يقول سبحانه : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ … } .