Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَنزَلْنَاهُ … } [ الحج : 16 ] أي : القرآن لأن الضمير هنا كما ذكرنا مرجعه مُتعيِّن ، وما دام مرجعه مُتعيناً فلا يحتاج لذكر سابق . والإنزال يحمل معنى العلو ، فإنْ رأيتَ في هذا التشريع الذي جاءك في القرآن ما يشقُّ عليك أو يحولُ بينك وبين ما تشتهيه نفسك ، فاعلم أنه من أَعْلى منك ، من الله ، وليس من مُسَاوٍ لك ، يمكن أنْ تستدرك عليه أو تناقشه : لماذا هذا الأمر ؟ ولماذا هذا النهي ؟ فطالما أن الأمر يأتيك من الله فلا بُدَّ أن تسمع وتطيع ولا تناقش . ولنا أُسْوة في هذا التسليم بسيدنا أبي بكر لما قالوا له : إن صاحبك يقول : إنه أُسْرِي به الليلة من مكة إلى بيت المقدس ، ثم عُرِج به إلى السماء ، فما كان من الصِّديِّق إلا أنْ قال : إنْ كان قال فقد صدق ، هكذا دون مناقشة ، فالأمر من أعلى ، من الله . وقلنا : إنك لو عُدْتَ مريضاً فوجدتَ بجواره كثيراً من الأدوية فسألته : لماذا كل هذا الدواء ؟ قال : لقد وصفه الطبيب ، فأخذت تعترض على هذا الدواء ، وتذكر من تفاعلاته وأضراره وعناصره ، وأقحمت نفسك في مسألة لا دَخْلَ لك بها . هذا قياس مع الفارق ومع الاعتراف بأخطاء الأطباء في وصف الدواء ، لكن لتوضيح المسألة ولله المثل الأعلى ، وصدق القائل : @ سُبْحانَ مَنْ يَرِثُ الطَّبِيبَ وطِبَّهُ ويُرِي المريض مَصَارِعَ الآسِينا @@ إذن : حجة كل أمر ليس أن نعلم حكمته ، إنما يكفي أنْ نعلم الآمر به . ومعنى { آيَاتٍ … } [ الحج : 16 ] أي : عجائب { بَيِّنَاتٍ … } [ الحج : 16 ] واضحات . وسبق أنْ ذكرنا أنْ كلمة الآيات تُطلَق على معَانٍ ثلاثة : الآيات الكونية التي تُثبِت قدرة الله ، وبها يستقر الإيمان في النفوس ، ومنها الليل والنهار والشمس والقمر ، والآيات بمعنى المعجزات المصاحبة للرسل لإثبات صِدْق بلاغهم عن الله ، والآيات التي يتكوَّن منها القرآن ، وتُسمَّى " حاملة الأحكام " . فالمعنى هنا { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ … } [ الحج : 16 ] تحمل كلمة الآيات كُلَّ هذه المعاني ، فآيات القرآن فيها الآيات الكونية ، وفيها المعجزة ، وهي ذاتها آيات الأحكام . ثم يقول سبحانه : { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [ الحج : 16 ] وهذه من المسائل التي وقف الناس حولها طويلاً : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ … } [ النحل : 93 ] وأمثالها تمسَّك بها مَنْ ليس لهم حَظٌّ من الهداية ، يقولون : لم يُرِدِ الله لنا الهداية ، فماذا نفعل ؟ وما ذنبنا ؟ وهذه وقفة عقلية خاطئة لأن الوَقْفة العقلية تقتضي أنْ تذكر الشيء ومقابله ، أما هؤلاء فقد نبَّهوا العقل للتناقض في واحدة وتركوا الأخرى ، فهي - إذن - وَقْفة تبريرية ، فالضال الذي يقول : لقد كتب الله عليَّ الضلال ، فما ذنبي ؟ لماذا لم يَقُلْ : الطائع الذي كتب الله له الهداية ، لماذا يثيبه ؟ ! فلماذا تركتم الخير وناقشتم في الشر ؟ والمتأمل في الآيات التي تتحدث عن مشيئة الله في الإضلال والهداية يجد أنه سبحانه قد بيِّن مَنْ شاء أنْ يُضلّه ، وبين مَنْ شاء أنْ يهديه ، اقرأ قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ المائدة : 67 ] إذن : كُفْره سابق لعدم هدايته وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [ المنافقون : 6 ] وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ القصص : 50 ] . إنما يهدي مَنْ آمن به ، أما هؤلاء الذين اختاروا الكفر واطمأنوا إليه وركنوا ، فإن الله تعالى يختم على قلوبهم ، فلا يدخلها الإيمان ، ولا يخرج منها الكفر ، لأنهم أحبُّوه فزادهم منه كما زاد المؤمنين إيماناً : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى … } [ محمد : 17 ] . والهداية هنا بمعنى الدلالة على الخير ، وسبق أنْ ضربنا لها مثلاً ، ولله تعالى المثَل الأعلى : هَبْ أنك تسلك طريقاً لا تعرفه ، فتوقفتَ عند جندي المرور وسألته عن وجهتك فدلَّكَ عليها ، ووصف لك الطريق الموصِّل إليها . لكن ، هل دلالته لك تُلزمك أنْ تسلك الطريق الذي وُصِف لك ؟ بالطبع أنت حُرٌّ تسير فيه أو في غيره . فإذا ما حفظتَ لرجل المرور جميلَهُ وشكرته عليه ، ولمس هو فيك الخير ، فإنه يُعينك بنفسه على عقبات الطريق ، وربما ركب معك ليجتاز بك منطقة خطرة يخاف عليك منها . هذا معنى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] . أما لو تعاليتَ على هذا الرجل ، أو اتهمته بعدم المعرفة بمسالك الطرق ، فإنه يدعُكَ وشأنك ، ويضِنُّ عليك بمجرد النصيحة . وهكذا … الحق - سبحانه وتعالى - دَلَّ المؤمن ودَلَّ الكافر على الخير ، المؤمن رضي بالله وقَبِل أمره ونَهْيه ، وحمد الله على هذه النعمة ، فزاده إيماناً وأعانه على مشقة العبادة ، وجعل له نوراً يسير على هَدْيه ، أما الكافر فقد تركه يتخبّط في ظلمات كفره ، ويتردد في متاهات العمى والضلال . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ … } .