Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-1)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الخطاب هنا عام للناس جميعاً ، وعادةً ما يأتي الخطاب الذي يطلب الإيمان عاماً لكل الناس ، إنما ساعة يطلب تنفيذ حكم شرعي يقول : يا أيها الذين آمنوا . لذلك يقول هنا : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ … } [ الحج : 1 ] يريد أنْ يلفتهم إلى قوة الإيمان . وكلمة { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ … } [ الحج : 1 ] التقوى : أنْ تجعل بينك وبين ما أحدِّثك عنه وقايةً ، أي : شيئاً يقيك العذاب الذي لا طاقةَ لك به . ونلحظ أن الله تعالى يقول مرة : { وٱتَّقُواْ ٱللَّهَ … } [ البقرة : 194 ] ومرة يقول : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ … } [ البقرة : 24 ] نعم ، لأن المعنى ينتهي إلى شيء واحد . معنى : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ … } [ البقرة : 24 ] أي : اجعل بينك وبينها وقاية تحميك منها ، ويكون هذا بفِعْل الأمر وتَرْك النهي . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ … } [ البقرة : 194 ] لأن لله تعالى صفات جمال ، وصفات جلال ، صفات الجمال كالرحمن ، والرحيم ، والباسط ، والستار ، وصفات الجلال كالقهار والجبار وغيرها مما نخاف منه . فاجعل بينك وبين صفات الجلال وقايةً ، فليستْ بك طاقة لقاهريته ، وبطشه سبحانه ، والنار من جنود الله ، ومن مظاهر قَهْره . فكما نقول : اتقِّ الله نقول : اتقِّ النار . واختار في هذا الأمر صفة الربوبية ، فقال : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ … } [ الحج : 1 ] ولم يقُلْ : اتقوا الله لأن الرب هو المتولِّي للرعاية وللتربية ، فالذي يُحذّرك هو الذي يُحبك ويُعطيك ، وهو الذي خلقك وربَّاك ورعاك . فالربوبية عطاء : إيجاد من عَدم وإمداد من عُدم ، فأولْى بك أن تتقيه ، لأنه قدَّم لك الجميل . أما صفة الألوهية فتعني التكاليف والعبادة بافْعل ولا تفعل ، الله معبود ومُطَاع فيما أمر وفيما نَهَى . ثم يقول تعالى : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] الزلزلة : هي الحركة العنيفة الشديدة التي تُخرِج الأشياء عن ثباتها ، كما لو أردتَ أنْ تخلعَ وتداً من الأرض ، فعليك أولاً أنْ تهزْه وتخلخله من مكانه ، حتى تجعل له مجالاً في الأرض يخرج منه ، إنما لو حاولت جذْبه بدايةً فسوف تجد مجهوداً ومشقة في خَلْعه ، وكذلك يفعل الطبيب في خلع الضِّرس . فمعنى الزلزلة : الحركة الشديدة التي تزيل الأشياء عن أماكنها ، والحق سبحانه وتعالى تكلم عن هذه الحركة كثيراً فقال : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 4 - 6 ] . ويقول : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 1 - 5 ] . فالزلزال هنا ليس زلزالاً كالذي نراه من هزّات أرضية تهدم بعض البيوت ، أو حتى تبتلع بعض القرى ، فهذه مجرد آيات كونية تثبت صدْق البلاغ عن الله ، وتنبهك إلى الزلزال الكبير في الآخرة ، إنه صورة مصغرة لما سيحدث في الآخرة ، حتى لا نغتر بسيادتنا في الدنيا فإن السيادة هبة لنا من الله . وعندما حدث زلزال " أغادير " لاحظوا أن الحيوانات ثارتْ وهاجتْ قبل الزلزال بدقائق ، ومنها ما خرج إلى الخلاء ، فأيُّ إعلام هذا ؟ وأيُّ استشعار لديها وهي بهائم في نظرنا لا تفهم ولا تعي ؟ إن في ذلك إشارة للإنسان الذي يعتبر نفسه سيد هذا الكون : تنّبه ، فلولا أن الله سَيَّدَك لوكزتْكَ هذه البهائم فقضت عليك . نقول : ليس هذا زلزالاً عاماً ، إنما هو زلزال مخصوص منسوب إلى الأرض بوحي من الله ، وبأمر منه سبحانه أن تتزلزل . لذلك وُصِف هذا الزلزال بأنه شيء عظيم : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] فحين تقول أنت أيها الإنسان : هذا شيء عظيم فهو عظيم بمقياسك أنت ، أما العظيم هنا فعظيم بمقاييس الحق سبحانه ، فلكَ أن تتصوَّر فظاعة زلزال وصفه الله سبحانه بأنه عظيم . لقد افتُتحَتْ هذه السورة بزلزلة القيامة لأن الحق سبحانه سبق أنْ قال : { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ … } [ الأنبياء : 97 ] فلا بُدَّ أنْ يعطينا هنا صورة لهذا الوعد ، ونُبْذة عما سيحدث فيه ، وصورة مُصغَّرة تدل على قدرته تعالى على زلزال الآخرة ، وأن الأرض ليس لها قوام بذاتها ، إنما قوامها بأمر الله وقدرته ، فإذا أراد لها أنْ تزول زالتْ . وكذلك في قوله تعالى : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] . فَمَا نراه من البراكين ومن الثروات في باطن الأرض وعجائب يقع تحت هذه الآية لذلك قال تعالى : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } [ طه : 6 ] . ما دام الحق سبحانه يمتنُّ بملكية ما تحت الثَّرى فلا بُدَّ أن تحت الثرى ثروات وأشياءَ نفيسة ، ونحن الآن نُخرِج معظم الثروات من باطن الأرض ، ومعظم الأمم الغنية تعتمد على الثروات المدفونة من بترول ومعادن ومناجم وذهب … إلخ . وسبق أن ذكرنا أن الحق - سبحانه وتعالى - بعثَر الخيرات في كونه ، وجعل لكل منها وقته المناسب ، فالرزق له ميلاد يظهر فيه : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا … } .