Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يُبيِّن لنا الحق سبحانه بعض صفات المخبتين ، فهم { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ … } [ الحج : 35 ] وَجِلت : يعني خافت ، واضطربت ، وارتعدت لذكر الله تعظيماً له ، ومهابة منه . وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] . فمرة يقول { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ … } [ الحج : 35 ] ومرة { تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] ، لماذا ؟ لأن ذكر الله إنْ جاء بعد المخالفة لا بُدَّ للنفس أنْ تخاف وتَوْجَل وتضطرب هيبةً لله عز وجل ، أما إنْ جاء ذِكْر الله بعد المصيبة أو الشدة فإن النفس تطمئنُّ به ، وتأنَسُ لما فيها من رصيد إيماني ترجع إليه عند الشدة وتركَنُ إليه عند الضيق والبلاء ، فإنْ تعرَّضَت لمصيبة وعزَّتْ أسبابُ دَفْعها عليك تقول : أنا لي رب فتلجأ إليه ، كما كان من موسى - عليه السلام - حين قال : { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . { وَٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ … } [ الحج : 35 ] ومعنى أصاب : يعني جاء بأمر سيء في عُرْفك أنت ، فتعده مصيبة لأننا نُقدِّر المصيبة حَسْب سطحية العمل الإيذائي ، إنما لو أخذتَ مع المصيبة في حسابك الأجر عليها لهانَتْ عليك وما أعتبرتَها كذلك لذلك في الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم : " المصاب من حرم الثواب " . هذا هو المصاب حقاً الذي لا تُجبَر مصيبته ، أما أنْ تُصاب بشيء فتصبر عليه حتى تنالَ الأجر فليس في هذا مصيبة . ثم يقول سبحانه : { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ … } [ الحج : 35 ] لأن الصلاة هي الولاء الدائم للعبد المسلم ، والفرض الذي لا يسقط عنه بحال من الأحوال ، فالشهادتان يكفي أنْ تقولها في العمر مرة ، والزكاة إنْ كان عندك نِصَاب فهي مرة واحدة في العام كله ، والصيام كذلك ، شهر في العام ، والحج إنْ كنتَ مستطيعاً فهو مرة واحدة في العمر ، وإنْ لم تكُنْ مستطيعاً فليس عليك حج . إذن : الصلاة هي الولاء المستمر للحق سبحانه على مَدار اليوم كله ، وربك هو الذي يدعوك إليها ، ثم لك أنْ تُحدِّد أنت موعد ومكان هذا اللقاء في حَضْرته تعالى لأنه سبحانه مستعد للقائك في أيِّ وقت . وتصور أن رئيس الجمهورية أو الملك مثلاً يدعوك ويُحتِّم عليك أنْ يراك في اليوم خمس مرات لتكون في حضرته ، والحق سبحانه حين يدعو عباده للقائه ، لا يدعوهم مرة واحدة إنما خمس مرات في اليوم والليلة لأنه سبحانه لا يتكلف في هذه العملية تكرار لقاءات ، فهو سبحانه يَلْقَى الجميع في وقت واحد . ولما سئل الإمام علي - رضي الله عنه - : كيف يُحاسب اللهُ كلَّ هؤلاء الناس في وقت واحد ؟ قال : كما أنه يرزقهم جميعاً في وقت واحد . وقوله تعالى : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [ الحج : 35 ] لا ينفقون من جيوبهم ، إنما من عطاء الله ورزقه . ومن العجيب أن الله تعالى يعطيك ويهبُكَ ويُغدِق عليك تفضلاً منه سبحانه ، فإذا أرادك تُعين محتاجاً قال لك : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } [ الحديد : 11 ] . وكأن الله تعالى يقول لنا : أنا لا أعود في هبتي ولا عطائي ، فأقول : أعْطِ ما أخذتَه لفلان ، بل إنْ أعطيتَ الفقير من مالك فهو أيضاً لك مُدَّخر لا يضيع ، فرِزْقك الذي وهبك الله إياه مِلْكك ، ولا نغبنك في شيء منه أبداً ، فربّك يحترم ملكيتك ويحترم جزاء عملك وجدِّك واجتهادك . نقول - ولله المثل الأعلى - : كالرجل الذي يحتاج مبلغاً كبيراً لأحد الأبناء فيأخذ من الباقين ما معهم وما ادخروه من مصروفاتهم على وَعْد أنْ يُعوِّضهم بدلاً منها فيما بعد . لذلك يقول بعدها : { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ … } [ الحديد : 11 ] فيعاملك ربك بالزيادة لذلك يقول البعض : إن الله تعالى حرَّم علينا الربا وهو يعاملنا به ، نعم يعاملك ربك بالربا ويقول لك : اترك لي أنا هذا التعامل لأنني حين أزيدك لا أنقص الآخرين ، ولا أُنقِص مما عندي ، ولا أُرِهق ضعيفاً ولا محتاجاً ولا أستغلّ حاجته . والصدقة في الإسلام تأمينٌ لصاحبها ضد الفقر إن احتاج ، فأخوَفُ ما يخافه المرءُ الحاجة عند الكبَر ، وعدم القدرة على الكَسْب ، وعند الإعاقة عن العمل ، يخاف أنْ ينفدَ ماله ، ويحتاج إلى الناس حال كِبَره . وعندها يقول له ربه : اطمئن ، فكما أَعطيْتَ حال يُسْرك سيعطيك غيرُك حال عَوَزِك وحاجتك . إذن : أخذ منك ليعطيك ، وليُؤمِّن لك مستقبل حياتك الذي تخاف منه . الصدقة في الإسلام صندوق لتكافل المجتمع ، كصندوق التأمين في شركات التأمين ، فإذا ما ضاقت بك أسباب الرزق وشكوْتَ الكِبَر والعجز نقول لك : لا تحزن فأنت في مجتمع مؤمن متكافل ، وكما طلبنا منك أنْ تعطي وأنت واجد طلبنا من غيرك أنْ يعطيَك وأنت مُعْدم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا … } .