Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 38-38)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
صَدْر الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ … } [ الحج : 38 ] يُشْعِرنا أن هناك معركة ، والمعركة التي يدافع الله فيها لا بُدَّ أنها بين حق أنزله ، وباطل يُواجهه ، وقد تقدَّم قبل ذلك أن قال تبارك وتعالى : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ … } [ الحج : 19 ] . وما دام أن هناك خصومة فلا بُدَّ أنْ تنشأ عنها معارك ، هذه المعارك قد تأخذ صورة الألفاظ والمجادلة ، وقد تأخذ صورة العنف والقوة والشراسة والالتحام المباشر بأدوات الحرب . ومعركة النبي صلى الله عليه وسلم مع معارضيه من كفار مكة لم تقف عند حَدِّ المعركة الكلامية فحَسْب ، فقد قالوا عنه - صلوات الله وسلامه عليه : ساحر ، وكاهن ، ومجنون ، وشاعر ، ومُفْتر … إلخ ثم تطوَّر الأمر إلى إيذاء أصحابه وتعذيبهم ، فكانوا يأتون رسول الله مَشْدوخين ومجروحين فيقول لهم صلى الله عليه وسلم : " لم أومر بقتال ، اصبروا اصبروا ، صبراً صبراً … " . إلى أنْ زاد اعتداء الكفار وطََفَح الكَيْل منهم أَذن الله لرسوله بالقتال ، فقال : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [ الحج : 39 ] . فقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ … } [ الحج : 38 ] صيغة يدافع : مبالغة مِنْ يدفع ، معنى يدفع يعني : شيئاً واحداً ، أو مرة واحدة ، وتنتهي المسألة ، أمّا يدافع فتدل على مقابلة الفعل بمثله ، فالله يدفعهم وهم يقابلون أيضاً بالمدافعة ، فيحدث تدافع وتفاعل من الجانبين ، وهذا لا يكون إلا في معركة . والمعركة تعني : منتصر ومنهزم ، لذلك الحق - تبارك وتعالى - يُطمئن المؤمنين أنه سيدخل المعركة في صفوفهم ، وسيدافع عنهم . فقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ … } [ الحج : 38 ] أمر طبيعي لأن الحق سبحانه ما كان ليُرسِل رسولاً ، ويتركه لأهل الباطل يتغلَّبون عليه ، وإلاّ فما جَدْوى الرسالة إذن لذلك يُطمئِن الله تعالى رسوله ويُبشِّره ، فيقول : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . وقال : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ … } [ الحج : 40 ] . وقال : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد : 7 ] . فهذه كلها آيات تُطمئِن المؤمنين وتُبشِّرهم ، وقد جاءتْ على مراحل لحكمة أرادها الحق سبحانه ، فمنعهم عن القتال في البداية لحكمة ، ثم جعل القتال فيما بينهم ، وقبْل أنْ يأذنَ لهم في قتال أعدائهم لحكمة : هي أنْ يَبْلوا المؤمنين ويُمحِّصهم ليُخرِج من صفوفهم أهل الخَوَر والجُبْن ، وضعيفي الإيمان الذين يعبدون الله على حَرْف ، ولا يبقى بعد ذلك إلا قويُّ الإيمان ثابتُ العقيدة ، الذي يحمل راية هذا الدين وينسَاح بها في بقاع الأرض لأنها دعوة عالمية لكل زمان ولكل مكان إلى أنْ تقوم الساعة ، ولما كانت هذه الدعوة بهذه المنزلة كان لا بُدَّ لها من رجال أقوياء يحملونها ، وإلا لو استطاع الأعداءُ القضاءَ عليها فلن تقومَ لدين الله قائمة . إذن : كان لا بُدَّ أن يُصفِّي الحقُ سبحانه أهلَ الإيمان كما يُصفِّي الصائغُ الذهبَ ، ويُخرِج خَبَثه حين يضعه في النار ، كذلك كانت الفِتَن والابتلاءات لتصفية أهل الإيمان وتمييزهم ، لكن بالقتال في صَفٍّ واحد . ثم يقول سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [ الحج : 38 ] فكأن الحق - سبحانه وتعالى - أصبح طرفاً في المعركة ، والخوَّان : صيغة مبالغة من خائن ، وهو كثير الخيانة وكذلك كفور : صيغة مبالغة من كافر . ومعنى الخيانة يقتضي أن هناك أمانةً خانها . نعم ، هناك الأمانة الأولى ، وهي أمانة التكليف التي قال الله فيها : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ … } [ الأحزاب : 72 ] فلقد خانَ هذه الأمانة بعد أنْ رَضِي أنْ يكونَ أهْلاً لها . وهناك أمانة قبل هذه ، وهي العهد الذي أخذه الله على عباده ، وهم في مرحلة الذَّرِّ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ … } [ الأعراف : 172 - 173 ] . فإنْ قالوا : نعم هذه أمانة ، لكنها بعيدة ، ومَنْ مِنَّا يذكرها الآن ؟ نقول : ألم تُقِرُّوا بأن الله خلقكم ، وأوجدكم من عدم ، وأمدكم من عُدم ؟ كما قال سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ الزخرف : 87 ] كما أقرُّوا بخَلْق السماوات والأرض وما فيها من خيرات لله عز وجل ، فكان وفاء هذا الإقرار أنْ يؤمنوا ، لكنهم مع هذا كله كفروا ، أليست هذه خيانة للأمانة عاصروها جميعاً وعايشوها وأسهموا فيها ؟ والكَفُور : مَنْ كفر نِعَم الله وجَحَدها . وما دام هناك الخوَّان والكفُور فلا بُدَّ للسماء أنْ تُؤيِّد رسولها ، وأنْ تنصره في هذه المعركة أولاً ، بأنْ تأذنَ له في القتال ، ثم تأمره بأخذ العُدة والأسباب المؤدية للنصر ، فإنْ عزَّتْ المسائل عليكم ، فأنا معكم أؤيدكم بجنود من عندي . وقد حدث هذا في بَدْء الدعوة ، فأيَّد الله نبيه بجنود من عنده ، بل أيَّده حتى بالكافر المعاند : ألم يكُن دليل رسول الله في الهجرة كافراً ؟ ألم ينصره الله بالحمام وبالعنكبوت وهو في الغار ؟ ألم ينصره بالأرض التي ساخَتْ تحت أقدام فرس " سُرَاقة " الذي خرج في طلبه ؟ هذه جنود لم نَرها ، ولم يُؤيَّد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن استنفد أسبابه ، ولو أراد سبحانه لَطوَّع لرسوله هؤلاء المعاندين ، فما رفع أحد منهم رأسه بعناد لمحمد ، إنما الحق - تبارك وتعالى - يريد أنْ يعطيه طواعية ويخضع له القوم ، ألم يقُلْ سبحانه وتعالى : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] . وقلنا : إن الله تعالى يريد أنْ يُخضِع قلوب عباده لا قوالبهم ، فلو أخضعهم الله بآية كونية طبيعية كالريح أو الصاعقة أو الخَسْف ، أو غيره من الآيات التي أخذتْ أمثالهم من السابقين لقالوا : إنها آفاتٌ طبيعية جاءتنا ، لكن جعل الله بين الفريقين هذه المواجهة ، ثم يسَّر لحزبه وجنوده أسباب النصر . قال سبحانه : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ … } .