Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 43-44)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نلحظ هنا أن الحق سبحانه ذكر المكذبين ، إلا في قصة موسى فذكر المكذَّب ، فلم يَقُل : وقوم موسى بل قال : وكُذِّب موسى ، لماذا ؟ قالوا : لأن مهمته كانت أصعب حيث تعرَّض في دعوته لمنِ ادَّعى الألوهية ذاتها . وقوله تعالى : { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ … } [ الحج : 44 ] أمليت : أمهلْتُ حتى ظنوه إهمالاً ، وهو إمهال بأنْ يمدّ الله لهم ، ويطيل في مدتهم ، لا إكراماً لهم ، ولكن ليأخذهم بعد هذا أخْذ عزيز مقتدر ، وفي آية أخرى يُوضِّح لنا هذه البرقية المختصرة ، فيقول سبحانه : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً … } [ آل عمران : 178 ] . وفي هذا المعنى يقول أيضاً : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 55 ] . إذن : لا تغتر بما في أيديهم لأنه فتنة ، حتى إذا أخذهم الله كانت حسرتهم أكبر ، فمن عُدم هذه النعم لا يتعلق قلبه بها ، ولا يألَم لفقدها . وقد حدث شيء من هذا في أيام سعد زغلول ، وكان أحد معارضيه يشتمه ويتطاول عليه ، لكن فوجئ الجميع بأنه يُولِّيه منصباً مرموقاً في القاهرة ، فتعجّب الناس وسألوه في ذلك فقال : نعم ، وضعته في هذا المنصب ليعرف العلو والمنزلة حتى يتحسَّر عليها حين تُسْلَب منه ، وتكون أنكى له . يعني : يرفعه إلى أعلى حتى يهوي على رقبته ، لأنه ما فائدة أن توقعه من على الحصيرة مثلا ً ؟ ! ! ثم يقول تعالى : { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الحج : 44 ] الحق سبحانه يُلقِي الخبر في صورة استفهام لتقول أنت ما حدث وتشهد به . والمراد : أعاقبناهم بما يستحقون ؟ والنكير : هو الإنكار على شخص بتغيير حاله من نعمة إلى نقمة ، كالذي يُكرمك ويُواسيك ويَبَشُّ في وجهك ويُغدق عليك ، ثم يقطع عنك هذا كله ، فتقول : لماذا تنكَّر لي فلان ؟ يعني : قطع عني نعمته . وكأن الحق - تبارك وتعالى - يريد أن ينتزع مِنَّا الإقرار بقدرته تعالى على عقاب أعدائه ومُكذِّبي رسله ، وهذا المعنى جاء أيضاً في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 29 - 36 ] يعني : هل جُوزي الكفار بما عملوا ؟ وهل استطعنا أنْ نعاقبهم بما يستحقون من العذاب ؟ { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الحج : 44 ] أي : إنكاري لموقفهم من عدم أداء حقوق النعمة فبدَّلها الله عليهم نقمة . ثم يقول الحق سبحانه : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا … } .