Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 45-45)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ … } [ الحج : 45 ] كأيِّن أداة تدل على الكَثْرة مثل : كم الخبرية حين تقول : كَمْ أحسنتُ إليك . تعني مرات عديدة تفوق الحصر ، فهي تدل على المبالغة في العدد والكمية ، ومنها قوله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ … } [ آل عمران : 146 ] . والقرية : اسم للمكان ، وحين يُهلِك الله القرية لا يُهلك المكان ، إنما يهلك المكين فيه ، فالمراد بالقرية أهلها ، كما ورد في قوله تعالى : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا … } [ يوسف : 82 ] أي : اسأل أهل القرية . ويحتمل أن يكون المعنى : اسأل القرية تُجبك ، لأنك لو سألتَ أهل القرية فلربما يكذبون ، أمَّا القرية فتسجل الأحداث وتُخبِر بها كما حدثت . وقد يتعدى الهلاك إلى القرية ذاتها ، فيغير معالمها بدليل قوله تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ … } [ النمل : 52 ] . ومعنى : { أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ … } [ الحج : 45 ] أي : بسبب ظُلْمها ، ولا يُغيِّر الله ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم ، وفي آية أخرى يقول تعالى : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] . فهلاك القُرَى لا بُدَّ أن يكون له سبب ، فلما وقع عليها الهلاك أصبحت { خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا … } [ الحج : 45 ] الشيء الخاوي يعني : الذي سقط وتهدَّم على غيره ، وقوله : { عَلَىٰ عُرُوشِهَا … } [ الحج : 45 ] يدل على عِظَم ما حَلَّ بها من هلاك ، حيث سقط السقف أولاً ، ثم انهارت عليه الجدران ، أو : أن الله تعالى قَلَبها رأساً على عَقِب ، وجعل عاليها سافلها . وقوله سبحانه : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ … } [ الحج : 45 ] البئر : هو الفجوة العميقة في الأرض ، بحيث تصل إلى مستوى الماء الجوفيّ ، ومنه يُخرِجون الماء للشُّرْب وللزراعة … إلخ ومنه قوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ … } [ القصص : 23 ] أي : البئر الذي يشربون منه . والبئر حين تكون عاملة ومُسْتفاداً منها تلحظ حولها مظاهر حياة ، حيث ينتشر الناس حولها ، وينمو النبات على بقايا المياه المستخرجة منها ، ويحوم حولها الطير ليرتوي منها ، أما البئر المعطّلة غير المستعملة فتجدها خَرِبة ليس بها علامات حياة ، وربما تسفو عليها الرياح ، وتطمسها فتُعطَّل وتُهجَر ، فالمراد معطلة عن أداء مهمتها ، ومهمة البئر السُّقيا . { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] القصر : اسم للمأوى الفَخْم لأن المأوى قد يكون خيمة ، أو فسطاطاً ، أو عريشة ، أو بيتاً ، أو عمارة ، وعندما يرتقي الإنسان في المأوى فيبني لنفسه شيئاً خاصاً به ، لكن لا بُدَّ له أنْ يخرج لقضاء لوازم الحياة من طعام وخلافه ، أما القصر فيعني مكان السكن الذي يتوفر لك بداخله كل ما تحتاج إليه ، بحيث لا تحتاج إلى الخروج منه ، يعني : بداخله كل مُقوِّمات الحياة . ومنه : سميت الحور مقصورات في قوله تعالى : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] يعني : لا تتعداها ولا تخرج منها . و { مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] من الشيد ، وهو الجير الذي يستعمل كَمُونَةٍ في بناء الحجر يعني : مادة للصق الحجارة ، وجَعْلها على مستوى واحد ، وقديماً كان البناء بالطوب اللَّبن ، والمونة من الطين ، أما في القصور والمساكن الفخمة الراقية فالبناء بالحجر ، والمشيد أيضاً العالي المرتفع ، ومنه قولهم : أشاد به يعني : رفعه وأعْلى من مكانته ، والارتفاع من مَيْزات القصور ، ومعلوم أن مقاسات الغرف في العمارات مثلاً غيرها في القصور ، هذه ضيقة منخفضة ، وهذه واسعة عالية . وفي قوله تعالى { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] دليل على أن هؤلاء المهْلَكين كانوا من أصحاب الغِنَى والنعيم ، ومن سكان القصور ومِنْ عِلْية القوم . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا … } .