Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
السعي : عمل يذهب إلى غاية ، فإنْ كان قطع مسافة نقول : سِرنْا من كذا إلى كذا ، وإنْ كان في قضية علمية فكرية ، فيعني : أن الحدث يعمل من شيء بداية إلى شيء غاية . والسَّعْيُ لا يُحمد على إطلاقه ، ولا يُذَمُّ على إطلاقه ، فإنْ كان في خير فهو محمود ممدوح ، كالسعي الذي قال الله فيه : { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } [ الإسراء : 19 ] ، وإنْ كان في شَرٍّ فهو قبيح مذموم ، كالسعي الذي قال الله تعالى فيه : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } [ البقرة : 204 - 205 ] . أما السعاية فعادة تأخذ جانب الشر . وتعني : الوشاية والسّعي بين الناس بالنميمة ، تقول : فلان سَعَّاء بين الخلق يعني : بالشر ينقله بين الناس بقصْد الأذى ، وهؤلاء إنْ عَلِموا الخير أخفَوْه ، وإنْ علموا الشر أذاعوه ، وإن لم يعلموا كذبوا . لذلك ، نقول عَمَّا ينتج من هذه السعاية من الشر بين الناس : هذا آفة الآخِذ ، يعني : الذي سمع الشرَّ ونقله وسعى به ، وكان عليه أنْ يحبسه ويُخفِيَه ، حتى لا تنتشر هذه الرذيلة بين الخَلْق . وقد وشى واشٍ بمهام بن عبد الله السلولي إلى زياد بن أبيه ، وكان زياد جباراً فقال للواشي : أأجمع بينك وبينه ؟ فلم يجد الواشي بُدَّاً من أنْ يقول : نعم ، فكيف ينكر ما قال ؟ ! ولعله قال في نفسه : لعل الله يقضي أمراً يُخرِجني من هذه الورطة قبل هذه المواجهة ؟ ثم أرسل زياد إلى ابن همام فأُتِي به ، وقد جعل زياد الواشي في مجلسه خلف ستار ، وأُدخِل همام ، فقال له : يا همام بلغني أنك هجوْتني ، فقال : كلا ، أصلحك الله ما فعلتُ : ولا أنت لذلك بأهْل ، فكشف زياد الستار وقال : هذا الرجل أخبرني أنك هجوتني ، فنظر ابن همام ، فإذا هو صديق له يجالسه ، فقال له : @ أنتَ امْرؤٌ إمّا ائتمنْتكَ خَالِياً فَخُنْتَ وَإِمّا قُلْتَ قَوْلاً بِلاَ عِلْمِ فَأُبْتَ مِنَ الأَمْرِ الذي كَانَ بينَنَا بمنزلةٍ بيْنَ الخِيَانَةِ والإثْمِ @@ يعني : أنت مذموم في كل الأحوال لأنك إما خُنْتَ أمانة المجلس والحديث ولم تحفظ سِراً فضفضْتُ لك به ، وإمَّا اختلقْتَ هذا القوْل كذباً وبلا علم . وعندها خلع زياد على همام الخُلَع ، لكنه لم يعاقب الواشي ، وفي هذا إشارة إلى ارتياحهم لمن ينقل إليهم ، وأن آذانهم قد أخذتْ على ذلك وتعوَّدَتْ عليه . ومعنى { فِيۤ آيَاتِنَا } [ الحج : 51 ] والآيات إما كونية ، كالشمس والقمر ، وإما معجزات ، وإما آيات الأحكام ، وسَعَوْا فيها يعني : قالوا فيها قَوْلاً باطلاً غير الحق ، كما يسعى الواشي بالباطل بين الناس ، فهؤلاء إنْ نظروا في آيات الكون قالوا : من صنع الطبيعة . وإنْ شاهدوا معجزة على يد نبيٍّ قالوا : سحر وأساطير الأولين ، وإنْ سمعوا آيات الأحكام تُتْلى قالوا : شعر . وهم بذلك كله يريدون أنْ يُفسِدوا على أهل الإيمان إيمانهم ، ويصدُّوا عن سبيل الله . ومعنى { مُعَاجِزِينَ } [ الحج : 51 ] جمع لاسم الفاعل معاجز مثل : مقاتل ، وهي من عَاجَزَ غير عجز عن كذا يعني : لم يقدر عليه ، عَاجَزَ فلانٌ فلاناً يعني باراه أيُّهما يعجز قبل الآخر ، فعاجزه مثل باراه ليثبتَ أنه الأفضل ، ومثل : سابقه ونافسه . إذن : فالمعاجزة مفاعلة ومشاركة ، وكلمة نافسه الأصل فيها من النفَس الذي نأخذه في الشهيق ، ونُخرِجه في الزفير ، والذي به يتأكسد الدم ، وتستمر حركة الإنسان ، فإن امتنع التنفس يموت لأن الإنسان يصبر على الطعام ويصبر على الماء ، لكنه لا يصبر على الهواء ولو لنفَس واحد . وقد حدثتْ هذه المعاجزة أو المنافسة بين سيدنا عمر وسيدنا العباس رضي الله عنهما : قال عمر للعباس : أتُنافسني في الماء ، يعني : نغطس تحت الماء وننظر أيهما يُعجِز الآخر ، ويتحمل عملية توقُّف النفَس ، ومثل هذه المنافسة قد يحتال عليها الإنسان إنْ كتم نفسَه وهو في جَوِّ الهواء ، أما إنْ نزل تحت الماء حيث ينعدم الهواء ، فكيف سيحتال على هذه المسألة ؟ وتحت الماء لا يكون إلا الهواء الذاتي الذي اختزنه كل منهما في رئته ، ومثل هذه المنافسة توضح أيهما أفسح صَدْراً من الآخر ، وأيُّهما أكثر تحمُّلاً تحت الماء . هذه هي المعاجزة . فمعنى { سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ … } [ الحج : 51 ] أي : يظنون أنهم قادرون أن يُعجزونا ، فحين نأتي إليهم بكلام بليغ مُعْجز يختلقون كلاماً فارغاً ليعجزونا به ، فأنّى يكون لهم ذلك ؟ وأنّى لهم أنْ يطعنوا بكلامهم على كلام الله ؟ ثم يُبيّن جزاء هذا الفعل وهذه المكابرة : { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } [ الحج : 51 ] فهذا حُكْم الله فيهم قضية واضحة من أقصر الطرق ، فمَنْ ذَا الذي يُعجِز الله ؟ ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ … } .