Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 55-55)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فِي مِرْيَةٍ } [ الحج : 55 ] يعني : في شك من هذا ، لذلك قلنا : إن أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم مُكلَّفون من الله بأنْ يكونوا امتداداً لرسالته : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … } [ البقرة : 143 ] شهداء أنكم بلَّغتم كما كان الرسول شهيداً عليكم ، فكلٌّ مِنَّا كأنه مبعوث من الله ، وكما شهد رسول الله عليه أنه أبلغه ، كذلك هو يشهد أنه بلَّغ من بعد رسول الله لذلك جاءت هذه الآية للأمرين ليكون الرسول شهيداً عليكم ، وتكونوا شهداء على الناس . والحق - سبحانه وتعالى - حينما حمَّلنا هذه الرسالة قال : ما دُمْتم امتداداً لرسالة الرسول ، فلا بُدَّ أنْ تتعرَّضوا لما تعرَّض له الرسول من استهزاء وإيذاء وإلقاء في أمنياتكم ، فإنْ صمدتم فإن الله تعالى ينسخ ما يُلقِي الشيطان ، وينصر في النهاية أولياءه ، وسيظل الإسلام إلى أنْ تقوم الساعة ، وسيظل هناك أناس يُعَادُون الدين ويُشكِّكون فيه ، وسيظل الملحدون الذين يُشكِّكون الناس في وجود الله يخرجون علينا من حين إلى آخر بما يتناقض ودين الله كقولهم : إن هذا الكون خُلِق بالطبيعة ، وترى وتسمع هذا الكلام في كتاباتهم ومقالاتهم . ولم يَسْلم العلم التجريبي من خرافاتهم هذه ، فإنْ رأوا الحيوان منسجماً مع بيئته قالوا : لقد أمدته الطبيعة بلون مناسب وتكوين مناسب لبيئته . وفي النبات حينما يقفون عند آية من آياته مثلاً : { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ … } [ الرعد : 4 ] يقولون : إن النبات يتغذى بعملية الانتخاب ، يعني النبات هو الذي ينتخب ويختار غذاءه ، ففي التربة الواحدة وبالماء الواحد ينمو النبات الحلو والمر والحمضي والحريف ، فبدل أنْ يعترفوا لله تعالى بالفضل والقدرة يقولون : الطبيعة وعملية الانتخاب . وقد تحدثنا مع بعض هؤلاء في فرنسا ، وحاولنا الرد عليهم وإبطال حججهم ، وأبسطها أن عملية الانتخاب تحتاج إلى إرادة واعية تُميِّز بين الأشياء المنتخبة ، فهل عند النبات إرادة تُمكِّنه من اختيار الحلو أو الحامض ؟ وهل يُميز بين المرِّ والحريف ؟ إنهم يحاولون إقناع الناس بدور الطبيعة ليبعدوا عن الأذهان قدرة الله فيقولون : إن النبات يتغذّى بخاصية الأنابيب الشعرية يعني : أنابيب ضيقة جداً تشبه الشعرة فسميت بها ، ونحن نعرف أن الشعرة عبارة عن أنبوبة مجوفة . وحين تضع هذه الأنبوبة الضيقة في الماء ، فإن الماء يرتفع فيها إلى مستوى أعلى لأن ضغط الهواء داخل هذه الأنبوبة لضيقها أقلّ من الضغط خارجها لذا يرتفع فيها الماء ، أما إنْ كانت هذه الأنبوبة واسعة فإن الضغط بداخلها سيساوي الضغط خارجها ، ولن يرتفع فيها الماء . فقُلْنا لهم : لو أحضرنا حوضاً به سوائل مختلفة ، مُذَاب بعضها في بعض ، ثم وضعنا به الأنابيب الشَّعْرية ، هل سنجد في كل أنبوبة سائلاً معيناً دون غيره من السوائل ، أم سنجد بها السائل المخلوط بكل عناصره ؟ لو قمتَ بهذه التجربة فستجد السائل يرتفع نعم في الأنابيب بهذه الخاصية ، لكنها لا تُميِّز بين عنصر وآخر ، فالسائل واحد في كل الأنابيب ، وما أبعد هذا عن نمو النبات وتغذيته . وصدق الله حين قال : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] . إذن : ما أبعدَ هذه التفسيرات عن الواقع ! وما أجهلَ القائلين بها والمروِّجين لها ! خاصة في عصر ارتقى فيه العلم ، وتقدّم البحث ، وتنوَّعت وسائلة في عصر استنارتْ فيه العقول ، واكتُشِفت أسرار الكون الدالة على قدرة خالقه عز وجل ، ومع ذلك لا يزال هناك مبطلون . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً … } [ الحج : 55 ] . فهم - إذن - موجودون في أمة محمد إلى أنْ تقومَ الساعة ، وسنواجههم نحن كما واجههم رسول الله ، وسيظل الشيطان يُلقِي في نفوس هؤلاء ، ويوسوس لهم ، ويوحي إلى أوليائه من الإنس والجن ، ويضع العقبات والعراقيل ليصدَّ الناس عن دين الله . هذا نموذج من إلقاء الشيطان في مسألة القمة ، وهي الإيمان بالله . كما يُلقِي الشيطان في مسألة الرسول ، فنجد منهم مَنْ يهاجم شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف وهو الأميّ البدويّ يقود أمة ويتهمونه ويخوضون في حقِّه ، وفي مسألة تعدُّد زوجاته صلى الله عليه وسلم … الخ مِمّا يُمثِّل عقبة في سبيل الإيمان به صلى الله عليه وسلم . ونعجب لهجوم هؤلاء على رسول الله طالما هم كافرون به ، إن هذا الهجوم يحمل في طياته إيماناً بأنه رسول الله ، وإلا لَمَا استكثروا عليه ولَمَا انتقدوه ، فلو كان شخصاً عادياً ما تعرَّض لهذه الانتقادات . لذلك لا تناقش مثل هؤلاء في مسألة الرسول ، إنما في مسألة القمة ، ووجود الإله ، ثم الرسول المبلِّغ عن هذا الإله ، أمّا أنْ تخوض معهم في قضية الرسول بدايةً فلن تصلَ معهم إلى حَلٍّ لأنهم يضعون مقاييس الكمال من عندهم ، ثم يقيسون عليها سلوكيات رسول الله ، وهذا وَضْع مقلوب ، فالكمال نأخذه من الرسول ومن فِعْله ، لا نضع له نحن مقاييس الكمال . ثم يُشكِّكون بعد ذلك في الأحكام ، فيعترضون مثلاً على الطلاق في الإسلام ، وكيف نفرق بين زوجين ؟ وهذا أمر عجيب منهم ، فكيف نجبر زوجين كارهين على معاشرة لا يَبْغُونها ، وكأنهما مقترنان في سلسلة من حديد ؟ كيف وأنت لا تستطيع أنْ تربط صديقاً بصديق لا يريده ، وهو لا يراه إلا مرة واحدة في اليوم مثلاً ؟ فهل تستطيع أن تربط زوجين في مكان واحد ، وهما مأمونان على بعض في حال الكراهية ؟ ويُخيِّب الله سَعْيهم ، ويُظهر بطلان هذه الأفكار ، وتُلجِئهم أحداث الحياة ومشاكلها إلى تشريع الطلاق ، حيث لا بديلَ عنه لحلِّ مثل هذه المشاكل . وقد ناقش هؤلاء كثيراً في قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [ التوبة : 33 ] . وفي قوله : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } [ الصف : 8 ] { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [ الصف : 9 ] . يقولون : ومع ذلك لم يتم الدين ، ولا يزال الجمهرة العالمية في الدنيا غَيْر مؤمنين بالإسلام ، يريدون أنْ يُشكِّكوا في كتاب الله . وهذا القول منهم ناشىء عن عدم فَهْم للآية ، ولمعنى { لِيُظْهِرَهُ } [ التوبة : 33 ] فهي لا تعني أن ينتصر الإسلام على كل ما عداه انتصاراً يمحو المخالفين له . إنما يُظهِره يعني : يكتب له الغلبة بصدق حُجَجه وقضاياه على كُرْه من الكافرين والمشركين ، فهم - إذن - موجودون ، لكن يظهر عليهم ، ويعلو دين الإسلام ، ويضطرون هم للأخذ بقوانينه وتشريعاته حَلاً لمشاكلهم ، وكَوْنهم يتخذون منه حلاً لمشاكلهم وهم كافرون به أبلغ في الردِّ عليهم لو آمنوا به ، فلو آمنوا بالإسلام ما كان ليظهر عليهم ويعلوهم . فما كنتم تُشكِّكون فيه وتقولون إنه ما كان يصدر من إله ولا من رسول ، فها هي الأيام قد عضّتكم بأحداثها وتجاربها وألجأتكم إلى هذا الحكم الذي تعارضونه ، وها أنتم تُشرِّعون بتشريع الإسلام وأنتم كافرون به ، وهذا دليل ظهوره عليكم . ومعنى { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } [ الحج : 55 ] يعني : فجأة ، وقد تكلَّم العلماء في معنى الساعة : أهي يوم القيامة ، أم يوم يموت الإنسان ؟ الساعة تشمل المعنيين معاً ، على اعتبار أن مَنْ مات فقد قامت قيامته حيث انقطع عمله ، وموت الإنسان يأتي فجأة ، كما أن القيامة تأتي فجأة ، فهما - إذن - يستويان . لكن ، إنْ كانت الساعة بغتة تفجؤهم بأهوالها ، فما العلامات الصُّغْرى ؟ وما العلامات الكبرى ؟ أليست مقدمات تأذن بحلول الساعة ، وحينئذ لا تُعَدُّ بغتة ؟ قالوا : علامات الشيء ليست هي إذن وجوده ، العلامة تعني : قُرْب موعده فانتبهوا واستعِدُّوا ، أما وقت حدوثه فلا يعلمه أحد ، ولا بُدَّ أنْ يأتي بغتة رغم هذه المقدمات . ثم يقول تعالى : { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] البعض اعتبر : { عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] يعني القيامة ، وبالتالي فالساعة تعني الموت ، وآخرون يقولون : { عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] المراد يوم بدر الذي فصل الله فيه بين الحق والباطل . وهذا اجتهاد يُشْكرون عليه ، لكن لما نتأمل الآية : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ … } [ الحج : 55 ] يعني : المرية مستمرة ، لكن بدراً انتهت ، المرية ستظل إلى أن تقوم الساعة . ولا مانعَ أن تكون الساعة بمعنى القيامة ، واليوم العقيم أيضاً هو يوم القيامة ، فيكون المدلول واحداً ، لأن هناك فرقاً بين زمن الحدث والحدث نفسه ، فالساعة هي زمن يوجد فيه الحدث وهو العذاب ، فالساعة أولاً ثم يأتي العذاب ، مع أن مجرد قيام الساعة في حَدِّ ذاته عذاب . ومعنى { عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] العقيم : الذي لا يلد ، رجل كان أو امرأة ، فلا يأتي بشيء بعده ، ومنه قوله تعالى عن سارة امرأة إبراهيم عليه السلام : { عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [ الذاريات : 29 ] وكذلك يوم القيامة يوم عقيم ، حيث لا يوم بعده أبداً ، فهي نهاية المطاف على حَدِّ قول أحدهم : حَبَتْهُم به الدنيا وأدركَها العُقْم . أو { عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] بمعنى : أنها لا تأتي بخير ، بل بشرٍّ ، كما في قوله تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 41 - 42 ] . ذلك لأن الريح حين تهبُّ ينتظر منها الخير ، إما بسحابة مُمطرة ، أو تحريك لقاح الذكورة بالأنوثة { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ … } [ الحجر : 22 ] أما هذه فلا خَيْر فيها ، ولا طائل منها ، وليتها تقف عند عدم النفع ، ولكن تتعدَّاه إلى جَلْب الضُّر { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 42 ] فهي تدمر كل شيء تمرُّ عليه . وكما جاء في قوله سبحانه : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } [ الأحقاف : 24 - 25 ] . فالمعنى - إذن - { عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] لا خيرَ فيها ولا نفع ، بل فيها الشر والعذاب ، أو عقيم يعني : لا يأتي يوم بعده لأنكم تركتم دنيا الأغيار ، وتقلّب الأحوال حال بعد حال ، فالدنيا تتقلَّب من فقر إلى غنى ، ومن صحة إلى مرض ، ومن صِغَر إلى كِبَر ، ومن أَمْن إلى خوف ، وتتحول من صيف إلى شتاء ، ومن حر إلى برد ، ومن ليل إلى نهار … وهكذا . أما في الآخرة فقد انتقلتم مِن عالم الأغيار الذي يعيش بالأسباب إلى عالم آخر يعيش مع المسبِّب سبحانه ، وإلى يوم آخر لا يومَ بعده ، كأنه عَقِم أن يكون له عَقِب من بعده أو مثيل له ، كما لو حضرتَ حفلاً مثلاً قد استكمل ألوان الكمال والنعم ، فتقول : هذا حدث لا يتكرر يعني : عقيم لا يأتي بعده مثله . وإذا كنتَ في الدنيا تعيش بالأسباب التي خلقها الله لك ، فأنت في الآخرة ستجلس مستريحاً تتمتع بالمسبِّب عَزَّ وجَلَّ ، ويكفي أن يخطر الشيء ببالك ، فتراه بين يديك ولأن القيامة لا أغيارَ فيها ولا تقلّب ، فسيظل الجميع كلٌّ على حاله في سِنٍّ واحدة ، لا يشيب ولا يهرم ، ولا يمرض ولا يموت . ألاَ ترى إلى قوله تعالى في نساء الجنة : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 35 - 38 ] . والكاره لزوجته في الدنيا لأنها كانت تتعبه نقول له : لا تقِسْ زوجة الدنيا بزوجة الآخرة لأن الله تبارك وتعالى يقول : { لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [ النساء : 57 ] . أي : مطهرة من كل ما كنتَ تكرهه فيها في الدنيا شكلاً وطَبْعاً وخُلقاً ، فأنت الآن في الآخرة التي لا يعكر نعيمها كَدَر . ثم يقول الحق سبحانه : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .