Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } [ الحج : 54 ] يعني : يتأكدوا تأكيداً واضحاً أن هذا هو الحق ، مهما شوَّشَ عليه المشوِّشُون ، ومهما قالوا عنه : إنه سحر ، أو كذب ، أو أساطير الأولين لأن الله سيُبطل هذا كله ، وسيقف أهل العلم والنظر على صِدْق القرآن بما لديهم من حقائق ومقدمات واستدلالات يعرفون بها أنه الحق . وما دام هو الحق الذي لم تزعزعه هذه الرياح الكاذبة فلا بُدّ أن يؤمنوا به { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } [ الحج : 54 ] ثم يتبع هذا الإيمان عملٌ وتطبيق { فَتُخْبِتَ لَهُ } [ الحج : 54 ] يعني : تخشع وتخضع وتلين وتستكين . ثم يقول سبحانه : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الحج : 54 ] . فمسألة كيد الشيطان وإلقائه لم تنته بموت الرسول ، بل هو قاعد لأمته من بعده فالشيطان يقعد لأمة محمد كلها ، ولكل مَنْ حمل عنه الدعوة . يقول تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 112 ] . يعني : دعهم جانباً فالله لهم بالمرصاد ، فلماذا - إذن - فعلوه ؟ وما الحكمة ؟ يقول تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ آل عمران : 141 ] . وقال : { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } [ الأنعام : 113 ] . فمهمة الشيطان أنْ يستغلّ ضعاف الإيمان ، ومَنْ يعبدون الله على حرف من أصحاب الاحتجاجات التبريرية الذين يريدون أنْ يبرروا لأنفسهم الانغماس في الشهوة والسير في طريق الشيطان ، وهؤلاء يحلو لهم الطعن في الدين ، ويتمنون أن يكون الدين والقيامة والرب أوهاماً لا حقيقة لها ، لأنهم يخافون أن تكون حقيقة ، وأن يتورطوا بأعمالهم السيئة ونهايتهم المؤلمة ، فهم - إذن - يستبعدون القيامة ويقولون : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ الصافات : 16 ] . لماذا ؟ لأنه يريد أنْ يبرر سلوكه ، إنه يريد أنْ يُخرِج نفسه من ورطة ، لا مخرج منها ، وهؤلاء يتبعون كل ناعق ، ويجْرُون وراء كل شبهة في دين الله يتلقفونها ويرددونها ، ومرادهم أن يهدموا الدين من أساسه . نسمع من هؤلاء المسرفين على أنفسهم مثلاً مَنْ يعترض على تحريم الميتة وأكل الذبيحة ، وهذا دليل على خميرة الشرك والكفر في نفوسهم ، ولهم حجج واهية لا تنطلي إلا على أمثالهم من الكفرة والمنافقين ، وهذه مسألة واضحة ، فالموت غير القتل ، غير الذبح . الموت : أن تخرج الروح أولاً دون نَقْض بِنْية الجسم ، وبعد خروج الروح ينقض بناء الجسد ، أما القتل فيكون بنقض البنية أولاً ، ويترتب على نَقْض البنية خروج الروح ، كأن يُضرب الإنسان أو الحيوان على رأسه مثلاً ، فيموت بعد أنْ اختلّ مخه وتهشَّم ، فلم يعُدْ صالحاً لبقاء الروح فيه . يقول تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ … } [ آل عمران : 144 ] إذن : فالموت غير القتل . وقد مثَّلْنا لذلك بضوء الكهرباء الذي نراه ، والذي يسري في الأسلاك ، ويظهر أثره في هذه اللمبات ، نحن لا نعرف حتى الآن كُنْه هذه الكهرباء وماهية هذا الضوء ، إنما نراه وننعَم به ، فإذا ما كُسِرت هذه اللمبة ينطفئ النور لأنها لم تعُدْ صالحة لاستقبال هذا النور ، رغم أنه موجود في الأسلاك ، إذن : لا يظهر نور الكهرباء إلا في بنية سليمة لهذا الشكل الزجاجي المفرَّغ من الهواء . كذلك الروح لا تسكن الجسم ، ولا تبقى فيه إلا إذا كانت له مواصفات معينة ، فإن اختلَّتْ هذه المواصفات خرجتْ الروح من الجسد . أما الذبح فهو أيضاً إزهاق روح ، لكن بأمر الله خالقها وبرخصة منه سبحانه ، كأن يُقتلَ إنسان في قصاص ، أو في قتال مشروع ، أو نذبح الحيوان الذي أحلَّه الله لنا وأمرنا بذبحه ، ولولا أمْر الله بذبحه ما ذبحناه ، ولولا أن الله أحلَّه ما أكلناه ، بدليل أننا لا نأكل ما لم يحِل لنا من الحيوانات الأخرى . والذين يجادلون في عملية الذَّبْح الشرعية ، ويُزهقون أرواح الحيوان بالخنق مثلاً غفلوا عن الحكمة من الذبح : الذبح إراقة للدم ، وفي الدم مواد ضارة بالإنسان يجب أن يتخلص منها بتصفية دم ذبيحته لأن بها كمية من الدم الفاسد الذي لم يمرّ على الكلية لتنقيه . فالمسلم حريص على أن يحمل منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحريص على أن يسود هذا المنهج حركة الحياة ، لكن لن يدَعَه الشيطان يُحقِّق هذه الأمنية ، كما لم يدع رسوله صلى الله عليه وسلم من قبل ، فكيْده وإلقاؤه لم ينتهِ بموت الرسول ، وإنما هو بَاقٍ ، وإلى أنْ تقومَ الساعة . لذلك يقول تعالى في الآية بعدها : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى … } .