Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهؤلاء هم الجبابرة وأصحاب السيادة في دنيا الكفر والعناد ، والذين حكم الله عليهم بالعذاب الذي يُهينهم بعد عِزَّتهم وسلطانهم في الدنيا ، وتلحظ أن العذاب يُوصَف مرة بأنه أليم ، ومرة بأنه عظيم ، ومرة بأنه مُهين . فالعذاب الأليم الذي يُؤلم صاحبه ، لكنه قد يكون لفترة ثم ينتهي ، أما العذاب العظيم فهو الدائم ، والمهين هو الذي يُذِله ويدوس كرامته التي طالما اعتز بها . وأنت تجد الناس يختلفون في تقبُّل ألوان العذاب : فمنهم مَنْ لا يؤثر فيه الضرب الموجع ولا يحركه ، لكن تؤلمه كلمة تجرح عِزَّته وكرامته . لذلك جاء العذاب هكذا ألواناً ليستوعب كل صنوف الملَكات النفسية ، ويواجه كُلَّ نفس بما يؤلمها . ثم تكلم الحق سبحانه عن أمر كان لا بُدَّ أن نعرفه ، فالمسلمون الأوائل في مكة أُخرِجوا من ديارهم وأبنائهم وأموالهم لأنهم قالوا : ربنا الله ، ولا شَكَّ أن للوطن وللأهل والبيئة التي نشأ فيها المرء أثراً في ملكات نفسه ، لا يمكن أنْ يُمحَى بحال ، فإنْ غاب عنه اشتاق إليه وتمنَّى العودة ، وكما يقول الشاعر : @ بَلَدِي وَإنْ جَارَتْ عليَّ عَزيزَةٌ أَهْلِي وإنْ ضَنُّوا عليَّ كِرَامُ @@ لذلك ، فطالب العالم عندما يترك بلده إلى القاهرة يقولون : لا بُدَّ له أنْ يرجع ، ولو أن تعضَّه الأحداث والشدائد ، فيعود ليطلب من أهله العون والمساعدة ، أو حتى يعود إليها في نهاية المطاف ليدفنوه في تراب بلده . وقالوا : إن سيدنا سليمان - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - لما تفقَّد الطير { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 20 - 21 ] ذلك لأنه نبي ، فالمسألة ليستْ جبروتاً وتعذيباً ، دون أن يسمع منه . وقالوا : إن الطير سأل سليمان : كيف يعذب الهدهد ؟ قال : أضعه في غير بني جنسه ، وفي غير المكان الذي يألفه ، يعني : في غير موطنه . يقول تعالى : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً … } .