Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 58-58)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي موضع آخر يقول تعالى : { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [ الحج : 40 ] هؤلاء تحملوا الكثير ، وتعبوا في سبيل عقيدتهم ، فلا بُدَّ أنْ يُعوِّضهم الله عن هذه التضحيات ، لذلك يقول هنا : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } [ الحج : 58 ] وأوضحنا أن الموت غير القتل : الموت أن تخرج الروح دون نَقْضٍ للبنية ، أما القتل فهو نَقْض للبِنْية يترتب عليه خروج الروح . { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً … } [ الحج : 58 ] تعويضاً لهم عَمَّا فاتوه في بلدهم من أهل ومال ، كما يُعوّض الحاكم العادل المظلوم فيعطيه أكثر ممَّا أُخِذ منه لذلك يقول سبحانه في موضع آخر : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ … } [ النساء : 100 ] . لأن مَنْ قُتِل فقد فاز بالشهادة ونال إحدى الحُسْنيين ، أما مَنْ مات فقد حُرِم هذا الشرف لذلك فقد وقع أجره على الله ، وما بالك بأجر مُؤدِّيه ربك عز وجل ؟ وكما لو أن رجلاً مُتْعباً يسير ليس معه شيء ولا يجد حتى مَنْ يقرضه ، وفجأة سقطت رِجْله في حفرة فتكدَّر وقال : حتى هذه ؟ ! لكن سرعان ما وجد قدمه قد أثارتْ شيئاً في التراب له بريق ، فإذا هو ذهب كثير وقع عليه بنفسه . ويُروْى أن فضالة حضرهم وهم يدفنون شهيداً ، وآخر مات غير شهيد ، فرأوْه ترك قبر الشهيد وذهب إلى قبر غير الشهيد ، فلما سألوه : كيف يترك قبر الشهيد إلى غير الشهيد ؟ قال : والله ما أبالي في أيِّ حفرة منهما بُعثْت ما دام قد وقع أجري على الله ، ثم تلا هذه الآية : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ … } [ النساء : 100 ] . ثم يقول سبحانه : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ الحج : 58 ] حين يصف الحق سبحانه ذاته بصفة ، ثم تأتي بصيغة الجمع ، فهذا يعني أن الله تعالى أدخل معه الخَلْق في هذه الصفة ، كما سبق أنْ تكلمنا في قوله تعالى : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . فقد أثبت للخَلْق صفة الخَلْق ، وأشركهم معه سبحانه في هذه الصفة لأنه سبحانه لا يبخس عباده شيئاً ، ولا يحرمهم ثمرة مجهودهم ، فكل مَنْ أوجد شيئاً فقد خلقه ، حتى في الكذب قال { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً … } [ العنكبوت : 17 ] . لأن الخَلْق إيجاد من عدم ، فأنت حين تصنع مثلاً كوب الماء من الزجاج أوجدتَ ما لم يكن موجوداً ، وإن كنت قد استخدمت المواد المخلوقة لله تعالى ، وأعملتَ فيها عقلك حتى توصلْتَ إلى إنشاء شيء جديد لم يكُنْ موجوداً ، فأنت بهذا المعنى خالق حسن ، لكن خلق ربك أحسن ، فأنت تخلق من موجود ، وربك يخلق من عدم ، وما أوجدتَه أنت يظل على حالته ويجمد على خلْقتك له ، ولا يتكرر بالتناسل ، ولا ينمو ، وليست فيه حياة ، أما خَلْق ربك سبحانه فكما تعلم . كذلك يقول سبحانه هنا : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ الحج : 58 ] فأثبت لخَلْقه أيضاً صفة الرزق ، من حيث هم سَبَب فيه ، لأن الرزق : هو كل ما ينتفع به حتى الحرام يُعَدُّ رزقاً لذلك قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ … } [ البقرة : 172 ] . نقول : فالعبد سبب في الرزق لأن الله تعالى هو خالق الرزق أولاً ، ثم أعطاك إياه تنتفع به وتعمل فيه ، وتعطي منه للغير ، فالرزق منك مناولة عن الرازق الأول سبحانه ، فأنت بهذا المعنى رازق وإنْ كرهوا أنْ يُسمَّى الإنسان رازقاً ، رغم قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ الحج : 58 ] لماذا ؟ قالوا : حتى لا يفهم أن الرزق من الناس . لذلك نسمع كثيراً من العمال البسطاء ، أو موظفاً صغيراً ، أو بواب عمارة مثلاً حين يفصله صاحب العمل ، يقول له : يا سيدي الأرزاق بيد الله . كيف وقد كنت تأخذ راتبك من يده ومن ماله ؟ قالوا : لأنه نظر إلى المناوِل الأول للرزق ، ولم ينظر إلى المناوِل الثاني . أما الرزق الحسن الذي أعدَّه الله للذين هاجروا في سبيله ، فيوضحه سبحانه في قوله : { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ … } .