Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 66-66)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق - تبارك وتعالى - يُذكّرنا ببعض نعمه وببعض العمليات التي لو تتبعناها لوقفنا بمقتضاها على نِعَم الله علينا ، ولم نَنْسها أبداً . أولها : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ … } [ الحج : 66 ] والإحياء : أن يعطي المحيي ما يُحييه قوة يؤدي بها المهمة المخلوق لها . والإحياء الأول في آدم - عليه السلام - حين خلقه ربه وسوّاه ونفخ فيه من روحه ، ثم أوجدنا نحن من ذريته . { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ … } [ الحج : 66 ] وكما أن الخَلْق آية من آيات الله ، فكذلك الموت آية من آيات الله ، نراها ونلمسها ، وما دُمْتَ تُصدِّق بآية الخَلْق وآية الموت ، وتراهما ، ولا تشك فيهما ، فحين نقول لك إن بعد هذا حياة أخرى فصدِّق لأن صاحب هذه الآيات واحد ، والمقدمات التي تحكم أنت بصدقها يجب أنْ تؤدي إلى نتيجة تحكم أيضاً بصدقها ، وها هي المقدمات بين يديك صادقة . لذلك يقول تعالى بعدها : { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ … } [ الحج : 66 ] والإحياء يُطلَق في القرآن على معانٍ متعددة ، منها الحياة المادية التي تتمثل في الحركة والأكل والشرب ، ومنها الحياة في الآخرة التي قال الله عنها : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] . وهذه هي الحياة الحقيقية لأن حياة الدنيا تعتريها الأغيار ، ويتقلَّب فيها الإنسان بين القوة والضعف ، والصحة والمرض ، والغنى والفقر ، والصِّغَر والكِبَر ، وبعد ذلك يعتريها الزوال ، أما حياة الآخرة التي وصفها الله بأنها الحيوان يعني : مبالغة في الحياة ، فهي حياة لا أغيار فيها ولا زوالَ لها . إذن : لديك حياتان : حياة لِبنْية المادة وبها تتحرك وتُحِس وتعيش ، وحياة أخرى باقية لا زوالَ لها . لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] كيف - إذن - ونحن أحياء ؟ قالوا : لما يحييكم ليست حياة الدنيا المادية التي تعتريها الأغيار ، إنما يحييكم الحياةَ الحقيقية في الآخرة ، الحياة الباقية التي لا تزول ، التي قال الله عنها : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] يعني : العلم الحقيقي الذي يهدي صاحبه . فإن كانت الحياة المادية الدنيوية بنفْخ الروح في الإنسان ، فبِمَ تكون الحياة الثانية { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] . قالوا : هذه الحياة تكون بروح أيضاً ، لكن غير الروح الأولى ، إنها بروح القرآن الذي قال الله فيه : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا … } [ الشورى : 52 ] وسمَّى المَلك الذي ينزل به روحاً : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] . فالروح الثانية التي تُحييك الحياة الحقيقية الخالدة هي منهج الله في كتابه الكريم ، إن اتبعته نِلْتَ هذه الحياة الباقية الخالدة وتمتعتَ فيها بما لا عَيْن رأت ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ، وهي لا مقطوعة ولا ممنوعة . ثم يقول سبحانه : { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } [ الحج : 66 ] كفور : صيغة مبالغة من كافر ، والكفور الذي لم يعرف للمنعِم حَقّ النعمة ، مع أنه لو تبيَّنها لما انفكَّ أبداً عن شكر المنعم سبحانه . والإنسان يمرُّ بمراحل مختلفة بين الحياة والموت ، كما جاء في قوله تعالى : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] ، فمتى سيقولون هذا الكلام ؟ قالوا : هذا يوم القيامة ، وقد أحياهم الله من موت العدم ، فأحياهم في الدنيا ثم أماتهم ، ثم أحياهم في الآخرة ، فهناك موت قبل إيجاد ، وموت بعد إيجاد ، ثم يأتي البعث في القيامة . وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ … } [ الحج : 66 ] قضية قالها الخالق - عز وجل - ولم يدعها أحد لنفسه مع كثرة الكفار والملاحدة والأفاقين في كل زمان ومكان ، لم نسمع مَنِ ادَّعَى مسألة الخَلْق ، وهذه قضية يجب أن نقف عندها وأن نبحث : لماذا لم يظهر مَنْ يدَّعي ذلك ؟ وإذا لم يَدَّع الخَلْق أحدٌ ، ولم يدَّع الإحياء أحد ، فمَنْ - إذن - صاحب الخَلْق والإحياء والإماتة ؟ إذا كان الناس يهتمون ويؤرخون لأيِّ مخترع آلة مثلاً ، فيقولون : مخترع الكهرباء فلان وعاش في بلدة كذا ، وكان من أمره كذا وكذا ، وتعلم في كذا ، وحصل على كذا … الخ فكيف بمَنْ خلقكم وأحياكم من عدم ؟ خاصة وهذه المسألة لم يتبجح بادعائها أحد فثبتت القضية له سبحانه وتعالى . ثم يقول الحق سبحانه : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ … } .