Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 65-65)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية امتداد للآية السابقة ، فما في السماء وما في الأرض مِلْك له سبحانه لكنه سخَّره لمنفعة خَلْقه ، فإنْ سأل سائل : فلماذا لا يجعلها الله لنا ويُملكنا إياها ؟ نقول : لأن ربك يريد أنْ يُطمئِنك أنه لن يعطيها لأحد أبداً ، وستظل مِلْكاً لله وأنت تنتفع بها ، وهل تأمن إنْ ملّكها الله لغيره أنْ يتغيّر لك ويحرمك منها ؟ فأمْنُك في أن يظل الملْك لله وحده لأنه ربك ومُتولّيك ، ولن يتغير لك ، ولن يتنكّر في منفعتك . وقوله تعالى : { وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ … } [ الحج : 65 ] الفُلْك : السفن ، تُطلق على المفرد وعلى الجمع ، تجري في البحر بأمره تعالى ، فتسير السفن بالريح حيث أمرها الله ، كما قال سبحانه : { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ … } [ البقرة : 164 ] وهذه لا يملكها ولا يقدر عليها إلا الله ، وقال في آية أخرى : { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ … } [ الشورى : 33 ] . وتأمَّل دِقَّة الأداء القرآني من الله الذي يعلم ما كان ، ويعلم ما يكون ، ويعلم ما سيكون ، فلقائل الآن أنْ يقول : لم نَعُد في حاجة إلى الريح تُسيِّر السفن ، أو توجهها لأنها أصبحت تسير الآن بآلات ومحركات ، نعم السفن الآن تسير بالمحركات ، لكن للريح معنى أوسع من ذلك ، فالريح ليست هذه القوة الذاتية التي تدفع السفن على صفحة الماء ، إنما الريح تعني القوة في ذاتها ، أياً كانت ريحاً أم بُخَاراً أم كهرباء أم ذرة … إلخ . بدليل قوله تعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ … } [ الأنفال : 46 ] يعني : تذهب قوتكم أيًا كانت هذه القوة حتى الصياد الذي يركب البحر بقارب صغير يُسيِّره بالمجاديف بقوة يده وعضلاته هي أيضاً قوة ، لا تخرج عن هذا المعنى . وهكذا يظل معنى الآية صالحاً لكل زمان ولكل مكان ، وإلى أن تقوم الساعة . والريح إنْ أُفردَتْ دلَّتْ على حدوث شَرٍّ وضرر ، كما في قوله تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [ الذاريات : 41 ] . وقوله : { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ … } [ الأنفال : 46 ] . وقوله : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأحقاف : 24 ] . وإنْ جاءت بصيغة الجمع دلَّت على الخير ، كما في قوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ … } [ الحجر : 22 ] . وسبق أنْ تحدثنا عن مهمة الريح في تماسك الأشياء وقيامها بذاتها ، فالجبل الأشمّ الذي تراه ثابتاً راسخاً إنما ثبتَ بأثر الريح عليه ، وإحاطته به من كل جانب ، بحيث لو فُرِّغ الهواء من أحد جوانب الجبل لانهار ، وهذه هي الفكرة التي قامت عليها القنبلة ، فالهواء هو الذي يقيم المباني والعمارات ويثبتها لأنه يحيطها من كل جانب ، فيُحدِث لها هذا التوازن ، فإنْ فُرِّغ من أحد الجوانب ينهار المبنى . ثم يقول سبحانه : { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ … } [ الحج : 65 ] فالسماء مرفوعة فوقنا بلا عَمَد ، لا يمسكها فوقنا إلا الله بقدرته وقيوميته أنْ تقع على الأرض إلا بإذنه تعالى ، كما قال في آية أخرى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ … } [ فاطر : 41 ] . { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ الحج : 65 ] فمن صفاته تعالى الرأفة والرحمة ، والفَهْم السطحي لهاتين الصفتين يرى أنهما واحد ، لكن هما صفتان مختلفتان ، فالرأفة تزيل الآلام ، والرحمة تزيد الإنعام ، والقاعدة أن دَرْء المفسدة مُقدَّم دائماً على جَلْب المصلحة ، فربك يرأف بك فيزيل عنك أسباب الألم قبل أن يجلب لك نفعاً برحمته . وسبق أن أوضحنا هذه المسألة بمثل : قلنا هَبْ أن واحداً يرميك بحجر ، وآخر يرمي لك تفاحة ، فأيُّهما يشغلك أولاً ؟ لا شكَّ ستُشغل بالحجر ، كيف تقي نفسك من ضرره ثم تحاول أن تنال هذه التفاحة ؟ لذلك قال تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ … } [ النحل : 61 ] . ثم يقول سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ … } .