Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 76-76)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [ الحج : 76 ] ما أمامهم ، ويعلم أيضاً ما خلفهم ، فليعمل الإنسان ما يشاء ، فعِلْم الله محيط به . { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [ الحج : 76 ] فالمرجع في النهاية إليه سبحانه ، فالحق - تبارك وتعالى - لم يخلق خَلْقه ليتركهم هَمَلاً ، إنما خلقهم لحكمة ، وجعل لهم نهاية يُجازَي فيها كُلٌّ بعمله ، فمَن تعب ونصب في سبيل دعوة الله وتحمّل المشاقّ في مساندة رسل الله فله جزاؤه ، ومَنْ جابههم وعاندهم سواء بالأقوال السَّابّة الشاتمة المستهزئة ، أو بالأفعال التي تعوق دعوتهم ، فله أيضاً ما يستحق من العقاب . وبعد أن حدَّثنا ربنا عز وجل عن الإلهيات وعن الرسل التي تُبلِّغ عنه سبحانه ، يُحدِّثنا عن المنهج الذي سيأتون به لينظم حركة حياتنا ، هذا المنهج موجز في افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، وهو لا يشمل في أوامره ونواهيه كل حركات الحياة . فالأوامر والنواهي محصورة في عِدَّة أمور ، والباقي مباح لأن الله تعالى وضع الأوامر والنواهي في الأصول التي تعصم حركة الحياة من الأهواء والنزوات ، وترك الباقي لاختيارك تفعله على أيِّ وجه تريد . لذلك نرى العلماء يجتهدون ويختلفون في مثل هذه الأمور التي تركها الله لنا ، ولو أراد سبحانه لأنزل فيها حكماً محكماً ، لا يختلف عليه أحد . ولك أن تقول : ولماذا ترك الحق سبحانه هذه الأمور تتضارب فيها الأقوال ، وتختلف فيها الآراء ، وتحدث فيها نزاعات بين الناس ؟ قالوا : هذا مراد الله لأن الله تعالى خلق الإنسان مُسخَّراً في أشياء ، ومختاراً في أشياء أخرى ، فللناس أن يتركوا المجتهد يجتهد ما وسعه الاجتهاد ، ثم يحكمون على ما وصل إليه أنه حق ، وآخر يجتهد ويقررون أنه باطل لأن الله لو أراده على لون واحد لقاله ، إنما تركه محتملاً للآراء . إذن : أراد سبحانه أن تكون هذه الآراء لأن الإنسان كما هو محكوم بقهر في كثير من الكونيات وله اختيار في بعض الأمور ، كذلك الحال في التكليف ، فهو مقهور في الأصول التي لو حاد عنها يفسد العالم ، ومختار في أمور أخرى يصحّ فِعْلها ويصحّ تَرْكها . يقول تعالى في هذا المنهج : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ … } .