Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثَانِيَ … } [ الحج : 9 ] ثَنَى الشيء يعني : لَواه ، وعِطْفه : يعني جَنْبه ، والإنسان في تكوينه العام له رأس ورقبة وكتفان ، وله جانبان وظَهْر ، وهذه الأعضاء تُؤدِّي دَوْراً في حياته وحركته ، وتدلّ على تصرفاته ، فالذي يجادل في الله عن غير علم ولا هدى ولا كتاب منير يَثنِي عنك جانبه ، ويَلْوي رأسه لأن الكلام لا يعجبه ليس لأن كلامك باطل ، إنما لا يعجبه لأنه أفلس وليست لديه الحجة التي يواجهك بها ، فلا يملك إلا هذه الحركة . لذلك يُسمَّى هذا الجدل " مراءً " ، ومنه قوله تعالى : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] يعني : أتجادلون رسول الله في أمر رآه ؟ والمراء : هو الجَدل العنيف ، مأخوذ من مَرْى الضرع يعني : حَلْب ما فيه من لبن إلى آخر قطرة فيه ، وأهل الريف يقولون عن هذه العملية قرقر البقرة يعني : أخذ كل لبنها ولم يَبْقَ في ضرعها شيء . كذلك المجادل بالباطل ، أو المجادل بلا علم ولا حجة تراه يكابر ليأخذ آخر ما عند خَصْمه ، ولو كان عنده علم وحجة لأنهَى الموقف دون لجج أو مكابرة . والقرآن الكريم يعطينا صورة لهذا الجدل والإعراض عن الحق ، فيقول سبحانه : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } [ المنافقون : 5 ] . والقرآن يعطينا التدرج الطبيعي للإعراض عن الحق الذي يبدأ بلَيِّ الرأس ، ثم الجانب ، ثم يعطيك دُبُره وعَرْض أكتافه ، هذه كلها ملاحظ للفرار من الجدل ، حين لا يقوى على الإقناع . ثم يقول سبحانه : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ الحج : 9 ] هذه عِلَّة ثَنْى جانبه ، لأنه يريد أنْ يُضل مَنِ اهتدى ، فلو وقف يستمع لخَصْمه وما يلقيه من حجج ودلائل لانهزم ولم يتمكّن من إضلال الناس لذلك يَثْني عِطْفه هَرَباً من هذا الموقف الذي لا يَقْدر على مواجهته والتصدي له . فما جزاء هذا الصنف ؟ يقول تعالى : { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ … } [ الحج : 9 ] والخِزْي : الهوان والذِّلَّة ، هذا جزاء الدنيا قبل جزاء الآخرة ، ألم يحدث للكفار هذا الخزي يوم بدر ؟ ألم يُمسِك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضيب في يده قبل المعركة ويشير به : " هذا مَصرع فلان ، وهذا مصرع فلان " ويسمي صناديد الكفر ورؤوس الضلال في قريش ؟ وبعد انتهاء المعركة كان الأمر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصُرِع كلُّ هؤلاء الصناديد في نفس الأماكن التي أشار إليها رسول الله . ولما قُتِل في هذه المعركة أبو جهل عَلاَهُ سيدنا عبد الله بن مسعود ، سبحان الله ، عبد الله بن مسعود راعي الغنم يعتلي ظهر سيد قريش ، عندها قال أبو جهل - وكان فيه رَمَق حياة : لقد ارتقيتَ مُرْتقىً صَعْباً يا رُوَيْعيَّ الغنم ، يعني : ركبتني يا ابن الإيه ! ! فأيُّ خِزْي بعد هذا ؟ ! وأبو سفيان بعد أن شفع له العباس رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأى موكب النبي يوم الفتح ، وحوله رايات الأنصار في موكب رهيب مهيب ، لم يملك نفسه ولم يستطع أنْ يُخفي ما في صدره ، فقال للعباس رضي الله : لقد أصبح مُلْك ابن أخيك قوياً ، فقال له : إنها النبوة يا أبا سفيان يعني : المسألة ليست مُلْكاً ، إنما هي النبوة المؤيَّدة من الله . وسيدنا أبو بكر - رضي الله عنه - حينما استأذن عليه القوم في الدخول ، فأذِنَ للسابقين إلى الإسلام من العبيد والموالي ، وترك بعض صناديد قريش على الباب ، فورِِمَتْ أنوفهم من هذا الأمر واغتاظوا ، وكان فيهم أبو سيدنا أبي بكر فقال له : أتأذن لهؤلاء وتتركنا ؟ فقال له : إنه الإسلام الذي قدَّمَهم عليكم . وقد شاهد عمر هذا الموقف فقال لهم : ما لكم ورِمَتْ أنوفكم ؟ وما بالكم إذا أُذِن لهم على ربهم وتأخرتم أنتم . فالغضب الحقيقي سيكون في الآخرة حين يُنَادى بهؤلاء إلى الجنة ، وتتأخرون أنتم في هَوْل الموقف . واقرأ قوله تعالى : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ الواقعة : 10 - 11 ] . ثم يقول تعالى : { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [ الحج : 9 ] فهذا الخِزْيُ الذي رَأَوْه في الدنيا لن يُفلتهم من خِزْي وعذاب الآخرة ، ومعنى { عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [ الحج : 9 ] الحريق : هو الذي يحرق غيره من شِدتّه ، كالنار التي أوقدوها لإبراهيم - عليه السلام - وكانت تشوي الطير الذي يمرُّ بها في السماء فيقع مشوياً . ثم يقول الحق سبحانه : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ … } .