Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذٰلِكَ … } [ الحج : 10 ] يعني خِزْي الدنيا وعذاب الحريق في الآخرة بما قدَّمتْ ، وبما اقترفت يداك ، لا ظُلْماً منّا ولا اعتداء ، فأنت الذي ظلمتَ نفسك ، كما قال سبحانه : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] وهل أخذناهم دون إنذار ، ودون أن نُجرِّم هذا الفعل ؟ لأنك لا تعاقب شخصاً على ذنب إلا إذا كنتَ قد نبَّهته إليه ، وعرَّفته بعقوبته ، فإنْ عاقبته دون علمه بأن هذا ذنب وهذه جريمة فقد ظلمتَه لذلك فأهل القانون يقولون : لا عقوبةَ إلا بتجريم ، ولا تجريمَ إلا بنصٍّ . وقد جاءكم النص الذي يُبيِّن لكم ويُجرِّم هذا الفعل ، وقد أبلغتُكم الرسل ، وسبق إليكم الإنذار ، كما في قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ … } [ الحج : 10 ] فهل الذنوب كلها تقديمُ اليد فقط ؟ الذنوب : إما أقوال ، وإما أفعال ، وإما عمل من أعمال القلب ، كالحقد مثلاً أو النفاق … إلخ لكن في الغالب ما تُزَاول الذنوب بالأيدي . ثم يقول تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ } [ الحج : 10 ] ظلاَّم : صيغة مبالغة من الظلم ، تقول : ظالم . فإنْ أردتَ المبالغة تقول : ظلاَّم ، كما تقول : فلان آكل وفلان أكُول ، فالفعل واحد ، لكن ما ينشأ عنه مختلف ، والمبالغة في الفعل قد تكون في الفعل نفسه أو في تكراره ، فمثلاً قد تأكل في الوجبة الواحدة رغيفاً واحداً ، وقد تأكل خمسة أرغفة هذه مبالغة في الوجبة الواحدة ، فأنت تأكل ثلاث وجبات ، لكن تبالغ في الوجبة الواحدة ، وقد تكون المبالغة في عدد الوجبات فتأكل في الوجبة رغيفاً واحداً ، لكن تأكل خمس وجبات بدلاً من ثلاث . فهذه مبالغة بتكرار الحدث . وصيغة المبالغة لها معنى في الإثبات ولها معنى في النفي : إذا قُلْتَ : فلان أكول وأثبتَّ له المبالغة فقد أثبتَّ له أصل الفعل من باب أَوْلَى فهو آكل ، وإذا نفيتَ المبالغة فنَفْي المبالغة لا ينفي الأصل ، تقول : فلان ليس أكولاً ، فهذا لا ينفي أنه آكل . فإذا طبَّقنا هذه القاعدة على قوله تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ } [ الحج : 10 ] فهذا يعني أنه سبحانه وتعالى ظالم حاشا لله ، وهنا نقول : هناك آيات أخرى تنفي الفعل ، كما في قوله تعالى : { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] وقوله تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } [ الزخرف : 76 ] . كما أن صيغة المبالغة هنا جاءت مضافة للعبيد ، فعلى فرض المبالغة تكون مبالغة في تكرار الحدث { بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ } [ الحج : 10 ] ظلم هذا ، وظلم هذا ، وظلم هذا ، فالمظلوم عبيد ، وليس عبداً واحداً . والظلم في حقيقته أن يأخذ القويُّ حَقَّ الضعيف ، ويكون الظلم على قَدْر قوة الظالم وقدرته ، وعلى هذا إنْ جاء الظلم من الله تعالى وعلى قَدْر قوته وقدرته فلا شكَّ أنه سيكون ظُلْماً شديداً لا يتحمله أحد ، فلا نقول - إذن - ظالم بل ظلام ، وهكذا يتمشى المعنى مع صيغة المبالغة . فالحق سبحانه ليس بظلام للعبيد لأنه بيَّن الحلال والحرام ، وبيَّن الجريمة ووضع لها العقوبة ، وقد بلَّغَتْ الرسل من بداية الأمر فلا حُجَّةَ لأحد . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ … } .